للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يوحى إليه في نومه، وذلك في أول أمره (١). وقد اعترض عليه بأن هذه المدة لم يصحَّ نقل تحديدها، ولا هو معروف، فتقديره تحكُّم.

قلت: القدر الذي اختلف الرواة فيه من هذا الحديث أمران:

أحدهما: من أضيفت الرؤيا إليه، فتارة سكت عنه، وأخرى قيل فيه: المسلم، وفي أخرى: المؤمن، وفي أخرى: الصالح. وهذا الأمر: الخلاف فيه أهون من الخلاف في الأمر الثاني، وذلك: أنه حيث سكت عنه لم يضر السكوت عنه، مع العلم بأن الرؤيا مضافة إلى راءٍ ما، فإذا صرح به في موضع آخر فهو المعني، وأما حيث نطق به فالمراد به واحد وإن اختلفت الألفاظ. وذلك أن الرؤيا لا تكون من أجزاء النبوة إلا إذا وقعت من مسلم صادق صالح، وهو الذي يناسب حاله حال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأكرم بنوع مما أكرم به الأنبياء، وهو الاطلاع على شيء من علم الغيب، كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصادقة في النوم. يراها الرجل الصالح، أو ترى له (٢)، فإنَّ الكافر، والكاذب، والمخلِّط - وإن صدقت رؤياهم في بعض الأوقات - لا تكون من الوحي، ولا من النبوة، إذ ليس كل من صدق في حديث عن غيب يكون خبره ذلك نبوة. وقد قدَّمنا: أن الكاهن يخبر بكلمة الحق، وكذلك المنجم قد يحدِس (٣) فيصدق، لكن على الندور والقلَّة. وكذلك الكافر، والفاسق، والكاذب. وقد يرى المنام الحق، ويكون ذلك المنام سببًا في شرٍّ يلحقه، أو أمرٍ يناله. إلى غير ذلك من الوجوه المعتبرة


(١) جاء في كتاب: "المعلم بفوائد مسلم" لابي عبد الله المازري (٣/ ١١٧) ما يلي: إنه - صلى الله عليه وسلم - أقام يُوحى إليه ثلاثة وعشرين عامًا؛ عشرة بالمدينة، وثلاثة عشر بمكة، وكان قبل ذلك بستة أشهر يرى في المنام ما يلقيه إليه الملك، وذلك نصف سنة، ونصف سنة من ثلاث وعشرين سنة جزءٌ من ستة وأربعين جزءًا من النبوة.
(٢) رواه أحمد (١/ ٢١٩)، ومسلم (٤٧٩)، وأبو داود (٨٧٦)، والنسائي (٢/ ١٨٨).
(٣) "يحدس": أي: يظنّ ويخمِّن.

<<  <  ج: ص:  >  >>