للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالرُّؤيَا ثَلَاثَةٌ: بُشرَى مِن اللَّهِ، وَرُؤيَا تَحزِينٌ مِن الشَّيطَانِ، وَرُؤيَا مِمَّا يُحَدِّثُ المَرءُ به نَفسَهُ،

ــ

كان الأنبياء في مقاماتهم وأحوالهم متفاضلين، وكان كذلك أتباعهم من الصَّادقين، وكان أقل خصال كمال الأنبياء ما إذا اعتُبر كان ستًّا وعشرين جزءًا، وأكثر ما يكون من ذلك سبعين، وبين العددين مراتب مختلفة بحسب ما اختلفت ألفاظ تلك الأحاديث. وعلى هذا: فمن كان من غير الأنبياء في صلاحه وصدقه على رتبة تناسب كمال نبيٍّ من الأنبياء، كانت رؤياه جزءًا من نبوة ذلك النبي، وكمالاتهم متفاضلة كما قرَّرناه، فنسبة أجزاء منامات الصَّادقين متفاوتة على ما فصلناه. وبهذا الذي أظهر الله لنا يرتفع الاضطراب. والله الموفق للصَّواب.

و(قوله: والرؤيا ثلاثة: بشرى من الله) أي: مُبشرة بخير، ومحذرة عن شرٍّ، فإن التحذير عن الشرِّ خيرٌ، فتتضمَّنه البشرى. وإنَّما قلنا ذلك هنا لأنَّه قد قال في حديث الترمذي المتقدِّم: الرؤيا ثلاثة: رؤيا من الله مكان: بشرى من الله، فأراد بذلك - والله أعلم - الرؤيا الصادقة المبشرة والمحذرة.

وقوله: ورؤيا تحزين، ويلحق بالرؤيا المحزنة المفزعات، والمهوِّلات، وأضغاث الأحلام، إذ كل ذلك مذموم، لأنها من آثار الشيطان، وكل ما ينسب إليه مذموم.

و(قوله: ورؤيا مِمَّا يحدِّث المرء به نفسه) يدخل فيه ما يلازمه المرء في يقظته من الأعمال، والعلوم، والأقوال، وما يقوله الأطباء: من أن الرؤيا تكون عن خلطٍ غالب على الرائي، فيرى في نومه ما يناسب ذلك الخلط، فمن يغلب عليه البلغم رأى السباحة في الماء وما أشبهه، لمناسبة الماء طبيعة البلغم. ومن غلبت عليه الصفراء رأى النيران والصعود في الارتفاع، لمناسبة النَّار في الطبيعة طبيعة الصفراء. وهكذا يقولون في بقية الأخلاط، ونحن ننازعهم في موضعين:

أحدهما: في أصل تأثير الطبيعة، فإنَّ قالوا: إن الطبيعة سببٌ عادي،

<<  <  ج: ص:  >  >>