للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٢١٨٣] وعن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يقول لأصحابه:

ــ

الرواية الصحيحة التي قال فيها: البارحة. ومعناها: الماضية بالاتفاق، فكأنه قال: الليلة الماضية، أو المنصرمة. ولما كانت قريبة الانصرام أشار إليها، ولما كان هذا معلومًا اكتفي بذكر الليلة عن صفتها، ولما كانت البارحة صفة معلومة لليلة استعملها غير تابعة استعمال الأسماء، وكان الأصل الجمع بين التابع والمتبوع، فيقال: الليلة البارحة. لكن ذلك جاز لما ذكرناه.

و(قوله: كان مما يقول لأصحابه) قال القاضي أبو الفضل: معنى (مما) هاهنا عندهم: كثيرًا ما كان يفعل كذا. قال ثابت في مثل هذا: كأنه يقول: هذا من شأنه، ودأبه، فجعل (ما) كناية عن ذلك. يريد: ثم أدغم (من) (١) فقال: مما يقول. وقال غيره: معنى (ما) هاهنا: ربما، لأنَّ ربما تأتي للتكثير.

قلت: وهذا كلام جملي لم يحصل به بيان تفصيلي، فإنَّ هذا الكلام من السهل جملة الممتنع تفصيلًا. وبيانه بالإعراب، وذلك: أن اسم كان مستتر فيها يعود على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخبرها في الجملة التي بعدها، وذلك: أن (ما) من (مما) بمعنى: الذي، وهي مجرورة بـ (من) وصلتها: يقول، والعائد محذوف. وهذا المجرور: خبر المبتدأ الذي هو: من رأى منكم رؤيا، فإنَّه كلام محكي معمول للقول، تقديره: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من جملة القول الذي يقوله هذا القول. ويجوز أن تكون مصدرية، ويكون تقديرها: كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من جملة قوله: من رأى منكم رؤيا ومَن في كلا الوجهين: استفهام محكي. والله تعالى أعلم. وأبعد ما قيل فيها: قول من قال: إن من بمعنى: ربما، إذ لا يساعده اللسان، ولا يلتئم مع تكلُّفه الكلام.


(١) في الأبي (٦/ ٨٧): قال ثابت: معنى (مما) ها هنا: كثير، أي: كثيرًا ما كان يقول، أي: شأنه ودأبه، فجُعلت (ما) كناية عن ذلك، وأدغم فيها (ن) مِن، فقال: مما.

<<  <  ج: ص:  >  >>