وصحَّةِ فهومهم، وغزارةِ علومهم، وأنَّهم أَولَى بعلم ذلك مِن كل مَن بعدهم؛ كيف لا وَهُم أئمَّةُ الهدى، وبهم إلى كُلِّ العلومِ يُقتدَى، وإليهم المرتَجَع، وقولهم المُتَّبَع، وكيف يَخفَى عليهم ذلك، وهو مِنَ المبادئ الظاهرة على ما قَرَّرنَاهُ في الأصول.
و(قوله: لَا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِن رُسُلِهِ) أي: يقولون: لا نفرِّقُ بين أحد منهم؛ في العلم بِصِحَّةِ رسالاتهم، وصِدقِهِم في قولهم.
وغُفرَانَكَ: منصوبٌ على المصدر، أي: اغفر غفرانَكَ، وقيل: مفعولٌ بفعل مضمر، أي: هَب غفرانَكَ. والمَصِير: المرجع. والتَّكلِيف: إلزامٌ مَا في فعله كُلفَةٌ، وهي النَّصَبُ والمشقَّة. والوُسع: الطاقة.
وهذه الآية تدلُّ على أنَّ لله تعالى أن يكلِّفَ عبادَهُ بما يُطِيقونه وما لا يُطِيقونه، ممكنًا كان أو غيرَ ممكن، لكنَّه تعالى تفضَّلَ بأنَّه لم يُكَلِّفنَا ما لا نطيقه، وبما لا يمكننا إيقاعُهُ، وكمَّلَ علينا بِفَضلِهِ برَفعِ الإصرِ والمشقات التي كلَّفها غيرنا. واستيفاءُ مباحثِ هذه المسألةِ في علمِ الكلامِ والأصول.
و(قوله: لَهَا مَا كَسَبَت وَعَلَيهَا مَا اكتَسَبَت) أي: ما كسَبَت من خيرٍ، فلها ثوابه، وما اكتسَبَت من شَرٍّ، فعليها عقابُهُ. وكَسَبَ واكتَسَبَ: لغتان بمعنًى واحدٍ؛ كقَدَرَ واقتَدَرَ.
ويمكنُ أن يقال: إن هذه التاءَ تاءُ الاستفعالِ والتعاطي، ودخلَت في اكتسابِ الشَّرِّ دون كسب الخير؛ إشعارًا بأنَّ الشَّرَّ لا يؤاخَذُ به إلا بعد تعاطيه