و(قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أريت في المنام أني أهاجر إلى أرض بها نخل) هذا يدلُّ على أن هذه الرؤيا وقعت له وهو بمكة قبل الهجرة، وأن الله تعالى أطلعه بها على ما يكون من حاله وحال أصحابه يوم أحد، وبأنهم يصاب من صدورهم معه، وأن الله تعالى يثبتهم بعد ذلك، ويجمع كلمتهم، ويقيم أمرهم، ويعزُّ دينهم، وقد كمَّل الله تعالى له ذلك بعد بدر الثانية. وهي المرادة في هذا الحديث على ما يأتي بيانه إن شاء الله.
و(قوله: فذهب وَهَلي إلى أنها اليمامة، أو هجر، فإذا هي المدينة) أي: ذهب وهمي وظني. والوهل - بفتح الهاء -: ما يقع في خاطر الإنسان، ويهم به. وقد يكون في موضع آخر: الغلط، وليس مرادًا هنا بوجه، لأنَّه لم يجزم بأنها واحدة منهما، وإنما جوَّز ذلك، إذ ليس في المنام ما يدلّ على التعيين، وإنما أري أرضًا ذات نخل، فخطر له ذانك الموضعان، لكونهما من أكثر البلاد نخلًا، ثم إنه لما هاجر إلى المدينة تعيَّنت له تلك الأرض، فأخبر عنها بعد هجرته إليها بقوله: فإذا هي المدينة.
ففيه ما يدلّ: على أن الرؤيا قد تقع موافقة لظاهرها من غير تأويل. وأن الرؤيا قبل وقوعها لا يقطع الإنسان بتأويلها، وإنما هي: ظن وحدس، إلا فيما كان