وحي من جهة الملك على غالب عادته. ويحتمل أن يكون ذلك إلهامًا.
و(قوله: فأوَّلتهما: كذَّابَين يخرجان بعدي) أي: يظهران ويغلبان بعد موتي، وإلا فقد كانا موجودين في حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ متبعين، وقد دلَّ على هذا قوله في الرواية الأخرى: فأوَّلتهما الكذَّابَين اللذين أنا بينهما. ووجه مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا: أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانا قد أسلما، وكانا كالسَّاعدين للإسلام، فلما ظهر فيهما هذان الكذَّابان، وتبهرجا لهما بترَّهاتهما، وزخرفا أقوالهما، فانخدع الفريقان بتلك البهرجة، فكان البلدان للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمنزلة يديه، لأنَّه كان يعتضد بهما. والسِّواران فيهما هما: مسيلمة، وصاحب صنعاء بما زخرفا من أقوالهما. ونفخ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: هو أن الله أهلكهما على أيدي أهل دينه، كما ذكرناه في شأن مسيلمة. وأما صاحب صنعاء فهو الأسود بن كعب، ويلقب بذي حمار، وسبب هذا اللقب -على ما قاله ابن إسحاق -: أنه لقيه حمار، فعثر، فسقط لوجهه، فقال: سجد لي الحمار. فارتد عن الإسلام، وادَّعى النبوة، ومخرق على الجهُّال فاتبعوه، وغلب على صنعاء، وأخرج منها المهاجر بن أسد المخزومي، وكان عاملًا لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليها، وانتشر أمره، وغلب على امرأة مُسلمة من الأساورة، فتزوجها فدسَّت إلى قوم من الأساورة: أني قد صنعت سربًا يوصل منه إلى مرقد الأسود فدلتهم على ذلك، فدخل منه قوم، منهم فيروز الديلمي، وقيس بن مكشوح، فقتلوه، وجاءوا برأسه إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم، على ما قاله ابن إسحاق -.