و(قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: وهذا ثابث يجيبك عني) يعني: ثابت بن قيس بن شماس، خطيب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فكأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجد على مسيلمة في نفسه، فأعرض عنه إعراض المحتقر له، المصغر لشأنه، وأحال على ثابت لعلمه بأنه يقوم عنه بجواب كل ما يسألونه عنه، إذ كان من أفضل الناس، وأكملهم عقلًا، وأفصحهم لسانًا، وكان مع ذلك جهوري الصوت، حسن النغمة، فكان يقوم بالحجة، ويبالغ في إيراد الخطبة.
و(قوله: إني لأراك الذي أريت فيه ما أريت) الرواية أراك بضم الهمزة، بمعنى أظنك، على ما قد حصل لهذه الصيغة من غلبة عرف الاستعمال، وقد قررنا: أن أصل أُرى من رأى بمعنى: علم، أو أبصر، أدخلت عليه همزة التعدية، وبنيت لما لم يسم فاعله، وعلى هذا فيصح أن تكون هنا بمعنى العلم. فيكون معناه: إني لأعلم أنك الذي أريت فيه ما أريت، وهذا أولى بحال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنَّ رؤياه حق، وتأويله لا يجوز عليه الغلط، بخلاف غيره، والله تعالى أعلم.
و(قوله: بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما) السوار: ما تجعله المرأة في ذراعها مما تتحلَّى به من الذهب والفضة، وفيه ثلاث لغات: كسر السين، وضمها، وبهمزة مضمومة، فيقال: أُسوار ويجمع أساورة، فأمَّا أساورة الفُرسِ فقُوَّادهم. وإنَّما أهمَّه شأنهما، أعني: السوارين، لأنهما من حلية النساء، ومما يحرم على الرجال.
و(قوله: فأوحي إلي: أن انفخهما. فنفختُهما، فطارا) ظاهره: أن هذا