للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٢١٩٠] وعن أَبي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ

ــ

اختيار الله تعالى لمن شاء من خلقه: تخصيصه إياه بصفات كمال نوعه، وجعله إياه أصلًا لذلك النوع، وإكرامه له على ما سبق في علمه، ونافذ حكمه من غير وجوب عليه، ولا إجبار، بل على ما قال: {وَرَبُّكَ يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَختَارُ} وقد اصطفى الله تعالى من هذا الجنس الحيواني نوع بني آدم، كما قال تعالى: {وَلَقَد كَرَّمنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلنَاهُم فِي البَرِّ وَالبَحرِ وَرَزَقنَاهُم مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلنَاهُم عَلَى كَثِيرٍ مِمَّن خَلَقنَا تَفضِيلا} ويكفيك من ذلك كله: أن الله تعالى خلق العالم كلَّه لأجله، كما قد صرح بذلك عنه لما قال تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُم مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ جَمِيعًا مِنهُ} ثم إن الله تعالى اختار من هذا النوع الإنساني من جعله معدن نبوته، ومحل رسالته، فأولهم: آدم عليه الصلاة والسلام، ثم إن الله تعالى اختار من نطفته نطفة كريمة، فلم يزل ينقلها من الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة، فكان منها الأنبياء والرسل، كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبرَاهِيمَ وَآلَ عِمرَانَ عَلَى العَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعضُهَا مِن بَعضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ثم إن الله تعالى اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل وإسحاق كما قال: {إِنَّا أَوحَينَا إِلَيكَ كَمَا أَوحَينَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعدِهِ وَأَوحَينَا إِلَى إِبرَاهِيمَ وَإِسمَاعِيلَ وَإِسحَاقَ} ثم إن الله تعالى اصطفى من ولد إسماعيل كنانة كما ذكرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث. ثم إن الله تعالى ختمهم بختامهم، وأمَّهم بإمامهم، وشرَّفهم بصدر كتيبتهم، وبيت قصيدتهم، شمس ضحاها، هلال ليلتها، درِّ تقاصيِرها (١)، زبرجدها، وهو محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، أخره عن الأنبياء زمانًا، وقدمه عليهم رتبة ومكانًا. جعله الله واسطة النظام، وكمَّل بكماله أولئك الملأ الكرام، وخصَّه من بينهم بالمقام المحمود، في اليوم المشهود، فهو شفيعهم إذا استشفعوا، وقائدهم إذا وفدوا، وخطيبهم إذا


(١) جمع تِقْصارة، وهي القلادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>