للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَومَ القِيَامَةِ، وَأَوَّلُ مَن يَنشَقُّ عَنهُ القَبرُ،

ــ

جُمِعُوا، وسيِّدهم إذا ذُكِروا، فاقتبس من الخبر عيونه، فبيده لواء الحمد، تحته آدمُ فمن دون، ويكفيك أُثرَةً وكرامة: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة. والسيد: اسم فاعل، من ساد قومه، إذا تقدَّمهم بما فيه من خصال الكمال، وبما يوليهم من الإحسان والإفضال، وأصله: سَيوِد، لأنَّ: ألف ساد منقلبة عن واو، بدليل: أن مضارعه يسود، فقلبوا الواو ياء، وأدغموها في الياء، فقالوا: سيِّد. وهذا كما فعلوا في: ميِّت. وقد تبين للعقل والعيان ما به كان محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ سيد نوع الإنسان.

وقد ثبت بصحيح الأخبار ما له من السؤدد في تلك الدار، فمنها أنه قال: أنا سيد ولد آدم. قال: وتدرون بم ذاك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد (١)، وذكر حديث الشفاعة المتقدم. ومضمونه: أن الناس كلهم إذا جمعهم موقف القيامة، وطال عليهم، وعظم كربهم طلبوا من يشفع لهم إلى الله تعالى في إراحتهم من موقفهم، فيبدءون بآدم عليه السلام، فيسألونه الشفاعة، فيقول: نفسي، نفسي، لست لها، وهكذا يقول من سُئِلها من الأنبياء، حتى ينتهي الأمر إلى سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقول: أنا لها، فيقوم في أرفع مقام، ويخصُّ بما لا يُحصى من المعارف والإلهام، وينادى بألطف خطاب وأعظم إكرام: يا محمد! قل تسمع، وسل تعطه، واشفع تشفع. وهذا مقام لم ينله أحدٌ من الأنام (٢)، ولا سمع بمثله لأحد من الملائكة الكرام، فنسأل الله تعالى باسمه العظيم، وبوجهه الكريم أن يحيينا على شريعته، ويميتنا على ملته، ويحشرنا في زمرته، ولا يجعلنا ممن ذيد (٣) عنه، وبُعِّدَ منه.

و(قوله: أنا أوَّل من ينشق عنه القبر) يعني: أنه أول من يعجل إحياؤه


(١) رواه مسلم (١٩٤).
(٢) في (ز) و (م ٣): الأنبياء.
(٣) أي: طُرِد.

<<  <  ج: ص:  >  >>