للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ثُمَّ مَضَينَا حَتَّى أَتَينَا جَابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ فِي مَسجِدِهِ وَهُوَ يُصَلِّي فِي ثَوبٍ وَاحِدٍ مُشتَمِلًا بِهِ، فَتَخَطَّيتُ القَومَ حَتَّى جَلَستُ بَينَهُ وَبَينَ القِبلَةِ، فَقُلتُ: يَرحَمُكَ اللَّهُ، أَتُصَلِّي فِي ثَوبٍ وَاحِدٍ وَرِدَاؤُكَ إِلَى جَنبِكَ؟ قَالَ: فَقَالَ بِيَدِهِ فِي صَدرِي: هَكَذَا، وَفَرَّقَ بَينَ أَصَابِعِهِ وَقَوَّسَهَا: أَرَدتُ أَن يَدخُلَ عَلَيَّ الأَحمَقُ مِثلُكَ فَيَرَانِي كَيفَ أَصنَعُ فَيَصنَعُ مِثلَهُ، أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فِي مَسجِدِنَا هَذَا، وَفِي يَدِهِ عُرجُونُ ابنِ طَابٍ، فَرَأَى فِي قِبلَةِ المَسجِدِ نُخَامَةً فَحَكَّهَا بِالعُرجُونِ، ثُمَّ أَقبَلَ عَلَينَا فَقَالَ: أَيُّكُم يُحِبُّ أَن يُعرِضَ اللَّهُ عَنهُ؟ . قَالَ: فَخَشَعنَا، قَالَ: أَيُّكُم يُحِبُّ أَن يُعرِضَ اللَّهُ عَنهُ؟ قَالَ: فَخَشَعنَا، ثُمَّ

ــ

على ظهره، ويخرجها من تحت ضِبعَيه، ويخالف بين طرفيها، ويعقدها على قفاه. ووضعه يده على صدره، إنما كان ليوقظه من غفلته، ويستحضر فهمه.

و(قوله: إنما فعلته ليراني أحمق مثلك) إنما شافهه بهذا اللفظ الجافي مقابلة له على ما صدر منه من الحركة الجافية، والسؤال الذي أورده مورد الإنكار، فلو تلطف في السؤال لما سمع هذا المقال.

والعرجون واحد العراجين: وهي الشماريخ، وتسمى أيضًا: الكباسة. ورطب ابن طاب: نوع من الرطب. وقد تقدم القول على البزاق في المسجد.

و(قوله: أيكم يحبُّ أن يُعرض الله عنه) أي: يعامله معاملة المعرض عنه فلا يثيبه إن قلنا: إن البزاق في المسجد مكروه، وإن تنزلنا: على أن البزاق في المسجد محرَّم - كما تقدم - كان الإعراض كناية عن تعذيبه على ذلك، وترك رحمته إياه في وقت العذاب، والله تعالى أعلم.

و(قوله: فخشعنا) الرواية الصحيحة فيه بالخاء المعجمة. من الخشوع، وهو الخضوع والتذلل، يعني: أنه ظهرت عليهم أحوال المنكسرين الخائفين، ومن قيده بالجيم فقد أبعد، إذ ليس هذا موضع الجشع، لأنَّه عبارة عن أشد الحرص.

<<  <  ج: ص:  >  >>