للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٢٢٢٩] وعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ الأَقرَعَ بنَ حَابِسٍ أَبصَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ الحَسَنَ، فَقَالَ: إِنَّ لِي عَشرَةً مِن الوَلَدِ مَا قَبَّلتُ وَاحِدًا مِنهُم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ مَن لَا يَرحَم لَا يُرحَم.

رواه البخاريُّ (٥٩٩٧)، ومسلم (٢٣١٨)، وأبو داود (٥٢١٨)، والترمذيُّ (١٩١١).

ــ

هذه الدار، وتحصل عنها هذه المصلحة العظيمة هي رحمة واحدة من مائة رحمة ادَّخرها الله تعالى ليوم القيامة، فيرحم بها عباده المؤمنين وقت أهوالها، وشدائدها حتى يخلصَهم منها، ويدخلهم في جنته، وكرامته. ولا يفهم من هذا أن الرحمة التي وصف الحق بها نفسه هي رقَّة وحُنُو، كما هي في حقِّنا، لأنَّ ذلك تغيُّر يوجب للمتصف به الحدوث، والله تعالى منزه ومقدَّس عن ذلك، وعن نقيضه الذي هو القسوة، والغلظ، وإنما ذلك راجعٌ في حقِّنا إلى ثمرة تلك الرأفة، وفائدتها، وفي اللطف بالمبتلى، والضعيف، والإحسان إليه، وكشف ما هو فيه من البلاء، فإذا هي في حقه سبحانه وتعالى من صفات الفعل لا من صفات الذات، وهذا كما تقدَّم في غضبه تعالى ورضاه في غير موطن. وإذا تقرر هذا، فمن خلق الله تعالى في قلبه هذه الرحمة الحاملة له على الرفق، وكشف ضر المبتلى، فقد رحمه الله تعالى بذلك في الحال، وجعل ذلك علامة على رحمته إياه في المآل، ومن سلب الله ذلك المعنى منه، وابتلاه بنقيض ذلك من القسوة والغلظ، ولم يلطف بضعيف، ولا أشفق على مبتلى، فقد أشقاه في الحال، وجعل ذلك علمًا على شقوته في المآل، نعوذ بالله من ذلك، ولذلك قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: الراحمون يرحمهم الرحمن (١). وقال: لا يرحم الله من عباده إلا الرحماء (٢). وقال: لا تنزع


(١) رواه أبو داود (٤٩٤١)، والترمذي (١٩٢٥).
(٢) رواه البخاري (٦٦٥٥)، ومسلم (٩٢٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>