للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٢٢٣٠] وعَن أَنَس قَالَ: مَا رَأَيتُ أَحَدًا كَانَ أَرحَمَ بِالعِيَالِ مِن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: كَانَ إِبرَاهِيمُ مُستَرضِعًا لَهُ فِي عَوَالِي المَدِينَةِ، فَكَانَ يَنطَلِقُ وَنَحنُ مَعَهُ فَيَدخُلُ البَيتَ وَإِنَّهُ لَيُدَّخَنُ،

ــ

الرحمة إلا من شقي (١)، وقال: من لا يَرحم لا يُرحم (٢).

وفي هذه الأحاديث ما يدلّ على جواز تقبيل الصغير على جهة الرحمة، والشفقة، وكراهة الامتناع من ذلك على جهة الأنفة. وهذه القبلة هي على الفم، ويكره مثل ذلك في الكبار، إذ لم يكن ذلك معروفًا في الصدر الأول، ولا يدل على شفقة. فأما تقبيل الرأس فإكرام عند من جرت عادتهم بذلك كالأب والأم. وأما تقبيل اليد فكرهه مالك، ورآه من باب الكبر، وإذا كان ذلك مكروهًا في اليد كان أحرى في الرِّجل، وقد أجاز تقبيل اليد والرِّجل بعض الناس، مستدلًا بأن اليهود قبَّلوا يد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ورجليه حين سألوه عن مسائل، فأخبرهم بها (٣)، ولا حجة في ذلك، لأنَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد نزهه الله عن الكبر، وأمن ذلك عليه، وليس كذلك غيره، ولأن ذلك أظهر من اليهود تعظيمه، واعتقادهم صدقه، فأقرَّهم على ذلك ليتبين للحاضرين - بإذلالهم أنفسهم له - ما عندهم من معرفتهم بصدقه، وأن كفرهم بذلك عناد وجحد. ولو فهمت الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ جواز تقبيل يده ورجله لكانوا أوَّل سابق إلى ذلك، فيفعلون ذلك به دائمًا وفي كل وقت، كما كانوا يتبركون ببزاقه، ونخامته (٤)، ويدلكون بذلك وجوههم، ويتطيبون بعرقه، ويقتتلون على وضوئه، ولم يرو قطُّ عن واحد منهم بطريق صحيح أنه قبل له يدًا ولا رجلًا، فصحَّ ما قلناه، والله ولي التوفيق.


(١) رواه أبو داود (٤٩٤٢)، والترمذي (١٩٢٤).
(٢) انظر تخريجه في التلخيص برقم (٢٩٣٧).
(٣) رواه ابن ماجه (٣٧٠٥).
(٤) في (ز): نخاعته.

<<  <  ج: ص:  >  >>