للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٢٢٣٦] عن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍو قال: لَم يَكُن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا

ــ

الحياء، ومنهم من جبل على القليل منه، ثم إن أهل الكثير من النوعين على مراتب، وكذلك أهل القليل، فقد يكبر أحد النوعين حتى يصير نقيضه كالمعدوم. ثم هذا الجبلِّي سبب في تحصيل المكتسب، وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد جبل من الحياء على الحظ الأوفر، والنصيب الأكثر، ولذلك قيل فيه: إنه كان أشد حياءً من العذراء في خدرها، ثم إنه كان يأخذ نفسه بالحياء ويستعمله، ويأمر به، ويحضُّ عليه، فيقول: الحياء من الإيمان (١). والحياء لا يأتي إلا بخير (٢). والحياء خير كله (٣). ويقول لأصحابه: استحيوا من الله حق الحياء (٤). وكان يُعرف الحياء في وجهه لما يظهر عليه من الخفر والخجل. وكان إذا أراد أن يَعتِب رجلًا معينًا أعرض عنه، ويقول: ما بال رجال يفعلون كذا (٥)، ومع هذا كله فكان لا يمنعه الحياء من حقٍّ يقوله، أو أمر ديني يفعله، تمسُّكًا بقول الحق: {وَاللَّهُ لا يَستَحيِي مِنَ الحَقِّ} وهذا هو نهاية الحياء، وكماله، وحسنه، واعتداله، فإنَّ من يفرط عليه الحياء حتى يمنعه من الحق فقد ترك الحياء من الخالق، واستحيا من الخلق (٦)، ومن كان هكذا فقد حرم نافع الحياء، واتصف بالنفاق والرياء، والحياء من الله هو الأصل والأساس، فإنَّ الله تعالى أحق أن يستحيا منه من الناس.

والعذراء: البكر التي لم تنتزع عذرتها. والخدر: أصله الهودج، وهو هنا: كناية عن بيتها الذي هي ملازمة له إلى أن تخرج منه إلى


(١) رواه ابن ماجه (٤١٨٤) من حديث أبي بكرة.
(٢) رواه البخاري (٦١١٧)، ومسلم (٣٧)، وأبو داود (٤٧٩٦) من حديث عمران بن حصين.
(٣) أحمد (٤/ ٤٢٦)، ومسلم (٣٧) (٦١).
(٤) رواه الترمذي (٢٤٦٠).
(٥) ذكره الزبيدي في الإتحاف (٧/ ٥٤٢)، وابن عساكر (٣/ ١٤٢).
(٦) في (م ٣): المخلوق.

<<  <  ج: ص:  >  >>