للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهلِ الكِتَابِ فِيمَا لَم يُؤمَر بِهِ، فَسَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ نَاصِيَتَهُ، ثُمَّ فَرَقَ بَعدُ.

رواه أحمد (٢/ ٢٨٧)، والبخاري (٣٥٥٨)، ومسلم (٢٣٣٦) (٩٠)، وأبو داود (٤١٨٨)، وابن ماجه (٣٦٣٢).

ــ

قلت: وفيما قاله القاضي - رحمه الله - وحكاه نظر. بل: الظاهر من مساق الحديث أن السَّدل إنما كان يفعله لأجل محبته استئلاف أهل الكتاب بموافقتهم، لكنه كان يوافقهم فيما لم يشرع له فيه، فلما استمروا على عنادهم، ولم ينتفعوا بالموافقة، أحبَّ مخالفتهم أيضًا فيما لم يشرع له، فصارت مخالفتهم محبوبة له لا واجبة عليه كما كانت موافقتهم.

و(قوله: فيما لم يؤمر) يعني: فيما لم يطلب منه، والطلب يشمل الواجب والمندوب كما قررناه في الأصول. وأما توهُّم النسخ في هذا، فلا يلتفت إليه لإمكان الجمع، كما قررناه، وهذا بعد تسليم أن محبة موافقتهم ومخالفتهم حكم شرعي، فإنَّه يحتمل أن يكون ذلك أمرًا مصلحيًّا، هذا مع أنه لو كان السَّدل منسوخًا بوجوب الفرق لصار الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إليه، أو بعضهم، وغاية ما روي عنهم: أنه كان منهم من فرق، ومنهم من سدل، فلم يعب السَّادل على الفارق، ولا الفارق على السَّادل، وقد صحَّ عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان له لِمَّةٌ، فإنَّ انفرقت فرقها، وإلا تركها (١). وهذا يدلُّ على أن هذا كان غالب حاله، لأنَّ ذلك ذكره مع جملة أوصافه الدائمة، وحِليته التي كان موصوفًا معروفًا بها، فالصحيح: أن الفرق مستحبٌّ لا واجب، وهذا الذي اختاره مالك. وهو قول جل أهل العلم (٢). والله أعلم.

و(قوله: كان يحبُّ موافقة أهل الكتاب) قد قلنا: إن ذلك كان في أوَّل أمره


(١) انظر: سبل الهدى والرشاد (٢/ ٢٢).
(٢) في (ع) و (م ٢): المذاهب.

<<  <  ج: ص:  >  >>