للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَ: أَحيَانًا يَأتِينِي فِي مِثلِ صَلصَلَةِ الجَرَسِ، وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ،

ــ

الله بصوتٍ فصحيحٌ، كما تقرر ذلك في حق جبريل، فيما كان يبلغه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

و(قوله: وهو أشدُّه عليَّ) إنما كان أشد عليه لسماعه صوت الملك الذي هو غير معتاد، وربما كان شاهد الملك على صورته التي خلق عليها، كما أخبر بذلك عن نفسه في غير هذا الموضع، وكان يشتد عليه أيضًا، لأنَّه كان يريد أن يحفظه ويفهمه مع كونه صوتًا متتابعًا مزعجًا، ولذلك كان يتغيَّر لونه (١)، ويتفصَّد عرقا، ويعتريه مثل حال المحموم، ولولا أن الله تعالى قوَّاه على ذلك، ومكنه منه بقدرته لما استطاع شيئًا من ذلك، ولهلك عند مشافهة الملك، إذ ليس في قوى البشر المعتادة تحمل ذلك بوجه.

والحالة الثانية: وهي أن يتمثل له الملَك في صورة رجل، فيكلمه بكلامه المعتاد، فلا يجد إلى ذلك شيئًا من المشقات، والشدائد، وهذا كما اتَّفق له معه حيث تمثل له في صورة الأعرابي، فسأله عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وكما كان يأتيه في صورة دحية بن خليفة، وكانت صورته حسنة، والحاصل من هذا الحديث، ومن قوله تعالى: {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} ومن غير ذلك من الكتاب والسنة: أن الله تعالى قد مكَّن الملائكة، والجن من التشكل في الصور المختلفة، والتمثيل بها، مع أن للنوعين في أنفسهما خلقًا خاصة بهما، خلقهما الله تعالى عليها، كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لم أر جبريل على صورته التي خلق عليها غير (٢) مرتين (٣). والبحث عن كيفية ذلك التمثيل بحث ليس وراءه تحصيل، والواجب التصديق بما جاء من ذلك، ومن أنكر وجود الملائكة والجن وتمثلهم في الصور فقد كفر.


(١) في (م ٣) و (ع): وجهه.
(٢) في (م ٣) و (ز): إلا.
(٣) رواه البخاري (٤٨٥٥)، ومسلم (١٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>