و(قوله: فيفصم عني، وقد وعيت عنه) أي: يذهب عني، ويقلع. يقال منه: فصم، وأفصم بالفاء، ومنه قوله تعالى:{لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي: لا انقطاع، والفصم - بالفاء -: انصداع من غير بينونة، وبالقاف:(١) انصداع مع بينونة. هذا أصلهما، ثم قد يتوسَّع في كل واحد منهما.
ووعيت: فهمت وحفظت. تقول العرب: وعيت العلم- ثلاثيًّا - وأوعيت المتاع في الوعاء - رباعيًّا - وأصلهما: من جعلت الشيء في الوعاء، غير أن استعمالهم فرق بينهما كما قلناه.
وقد اقتصر في هذا الحديث على ذكر طريقي الوحي، ولم يذكر الرؤيا، وهي من الوحي كما تقدم، لأنَّه فهم عن السائل: أنه إنما سأل عن كيفية تلقيه الوحي من الملك، والله أعلم.
و(قوله: كان إذا أنزل عليه الوحي كرب لذلك) وجدناه بتقييد من يوثق بتقييده مبنيًا لما لم يسم فاعله، أي: أصيب بالكرب، وهو الألم والغم. وتربَّد وجهه: علته رُبدة وهي: لون بين السواد والغبرة، ومنه قيل للنعام: رُبدٌ، وجمع ربداء، كحمراء وحُمر. وتنكيس النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأسه لثقل ما يلقى عليه، ولشدة ما يجده من الكرب. وتنكيس أصحابه رؤوسهم عند ذلك استعظام لذلك الأمر، وهيبة له.