للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَإِن سَأَلَكِ فَأَخبِرِيهِ أَنَّكِ أُختِي فَإِنَّكِ أُختِي فِي الإِسلَامِ، فَإِنِّي لَا أَعلَمُ فِي الأَرضِ مُسلِمًا غَيرِي وَغَيرَكِ. فَلَمَّا دَخَلَ أَرضَهُ رَآهَا بَعضُ أَهلِ الجَبَّارِ أَتَاهُ فَقَالَ لَهُ: لَقَد قَدِمَ أَرضَكَ امرَأَةٌ لَا يَنبَغِي لَهَا أَن تَكُونَ إِلَّا لَكَ، فَأَرسَلَ إِلَيهَا فَأُتِيَ بِهَا فَقَامَ إِبرَاهِيمُ عَلَيهِ السَّلَامُ إِلَى الصَّلَاةِ، فَلَمَّا دَخَلَت عَلَيهِ لَم يَتَمَالَك

ــ

و(قوله: فإنَّ سألك فأخبريه: أنك أختي، فإنك أختي في الإسلام) هذا صحيح ليس فيه من الكذب شيء، وهذا كقوله تعالى: {إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ} لكن لما كان الأسبق للفهم من لفظ الأخوة إنما هي أخوَّة النسب، كان من باب المعاريض، لأنَّ ظاهر اللفظ يوهم شيئًا، ومراد المتكلم غيره. وقيل عليه كذب توسُّعًا، وأطلق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليها كذبًا، لأنَّ الله تعالى قد أعلمه: أن إبراهيم يطلق ذلك على نفسه يوم القيامة كما تقدم في كتاب الإيمان، وأيضًا: فليُنبَّه بذلك على أن الأنبياء منزهون عن الكذب الحقيقي، لأنَّهم إذا كانوا يَفرَقُون من مثل هذه المعاريض التي يجادلون بها عن الله تعالى، وعن دينه، وهي من باب الواجب وتعد عليهم، كان أحرى وأولى أن لا يصدر عنهم شيء من الكذب الممنوع، وفي هذا ما يدلّ على جواز المعاريض والحيل في التخلص من الظَّلمة. بل نقول: إنه إذا لم يُخلِّص من الظالم إلا الكذب الصَّراح جاز أن يكذبَه، بل قد يجب في بعض الصور بالاتفاق بين الفِرَق، ككذبة تنجي نبيًّا، أو وليًّا ممن يُريد قتله، أو أمنًا من المسلمين من عدوهم.

وفيه: ما يدل على أن العمل بالأسباب المعتادة التي يرجى بها دفع مضرَّة، أو جلب منفعة لا يقدح في التوكل، خلافًا لما ذهب إليه جُهَّال المتوكِّلة، وقد تقدَّم كثير من نحو هذا.

وقول الجبَّار لسارة حين قبضت يده عنها: ادعي الله لي (١) يدلّ على أن هذا الجبَّار كان عنده معرفة بالله تعالى، وبأن لله من عباده من إذا دعاه أجابه، ومع


(١) ليست في التلخيص، ولا في صحيح مسلم. ووردت في جميع نسخ المفهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>