للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَفَرَّ الحَجَرُ بِثَوبِهِ. قَالَ: فَجَمَحَ مُوسَى بِأثرِهِ يَقُولُ: ثَوبِي حَجَرُ. ثَوبِي حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَت بَنُو إِسرَائِيلَ إِلَى سَوأَةِ مُوسَى، فقَالُوا: وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِن بَأسٍ. فَقَامَ الحَجَرُ بعد حَتَّى نُظِرَ إِلَيهِ. قَالَ: فَأَخَذَ ثَوبَهُ، فَطَفِقَ بِالحَجَرِ ضَربًا.

ــ

وصبرهم، وفي أن ذلك لم يقطعهم عن عبادة ربهم. ثم إن الله تعالى أظهر كرامتهم، ومعجزاتهم بأن أعاد يعقوب بصيرًا عند وصول قميص يوسف له، وأزال عن أيوب جذامه وبلاءه عند اغتساله من العين التي أنبع الله تعالى له عند رَكضِه الأرض برجله، فكان ذلك زيادة في معجزاتهم، وتمكينا في كمالهم، ومنزلتهم. والآدر - بمد الهمزة -: هو ذو الأُدرة، بضم الهمزة، وسكون الدال، وهي عظم الخصيتين، وانتفاخهما.

و(قوله: فجمح موسى بأثره) أي: أسرع في مشيه خلف الحجر ليأخذ ثوبه. والجموح من الخيل: هو الذي يركب رأسه في إسراعه، ولا يَثنيه شيء، وهو عيب فيها، وإنَّما أطلق على إسراع موسى خلف الحجر جماحًا، لأنَّه اشتدَّ خلفه اشتدادًا لا يثنيه شيء عن أخذ ثوبه، وهو مع ذلك ينادي: ثوبي حجر! ثوبي حجر! كل ذلك استعظام لكشف عورته، فسبقه الحجر إلى أن وصل إلى جمع بني إسرائيل، فنظروا إلى موسى، وكذبهم الله في قولهم، وقامت حجته عليهم.

وقول موسى ـ عليه السلام ـ: ثوبي حجر! ثوبي حجر! منصوب بفعل مضمر، وحجر مناد مفرد محذوف حرف النداء، وتقدير الكلام: أعطني ثوبي يا حجر! أو: اترك ثوبي يا حجر! فحذف الفعل لدلالة الحال عليه. وحذف حرف النداء هنا استعجالًا للمنادى، وقد جاء في كلام العرب حذف حرف النداء مع النكرة، كما قالوا: اطرق كرا، وافتدِ مخنوق، وهو قليل. وإنما نادى موسى ـ عليه السلام ـ الحجر نداء من يعقل، لأنَّه صدر عن الحجر فعل من يعقل.

وفي وضع موسى ثوبه على الحجر، ودخوله في الماء عريانًا: دليلٌ على جواز ذلك،

<<  <  ج: ص:  >  >>