و(قوله: مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر، وهو يصلِّي في قبره (١)) الكثيب: هو الكوم من الرمل ويجمع كثبًا، وهذا الكثيب هو بطريق بيت المقدس، كما سيأتي. وهذا الحديث يدلّ بظاهره على: أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى موسى رؤية حقيقية في اليقظة، وأن موسى كان في قبره حيًّا، يصلي فيه الصلاة التي كان يصليها في الحياة، وهذا كله ممكن لا إحالة في شيء منه، وقد صحَّ أن الشهداء أحياء يرزقون، ووجد منهم من لم يتغير في قبره من السنين كما ذكرناه. وإذا كان هذا في الشهداء كان في الأنبياء أحرى وأولى، فإنَّ قيل: كيف يصلون بعد الموت وليس تلك الحال حال تكليف؟ فالجواب: أن ذلك ليس بحكم التكليف وإنَّما ذلك بحكم الإكرام لهم والتشريف، وذلك أنهم كانوا في الدنيا حبِّبت لهم عبادة الله. والصلاة بحيث كانوا يلازمون ذلك، ثم توفوا وهم على ذلك، فشرَّفهم الله تعالى بعد موتهم بأن أبقى عليهم ما كانوا يحبون، وما عُرفوا به، فتكون عبادتهم إلهاميِّة كعبادة الملائكة، لا تكليفية، وقد وقع مثل هذا لثابت البناني ـ رضي الله عنه ـ، فإنَّه حُبِّبت الصلاة إليه حتى كان يقول: اللهم إن كنت أعطيت أحدًا يصلِّي لك في قبره، فأعطني ذلك. فرآه مُلحِدُه، بعدما سوَّى عليه لحده قائمًا يصلِّي في قبره، وقد دلَّ على صحة ذلك كله قول نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ: يموت المرء على ما عاش