للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يَقُولُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَامَ مُوسَى عَلَيهِ السَّلَامُ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسرَائِيلَ فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعلَمُ. قَالَ: فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيهِ إِذ لَم يَرُدَّ العِلمَ إِلَيهِ،

ــ

و(قوله: قام موسى خطيبًا، فسُئِل أي الناس أعلم؟ فقال: أنا (١)، فعَتَب الله عليه إذ لم يردَّ العلم إليه) مساق هذه الرواية هو أكمل ما سيق الحديث عليه فلنبحث فيه، وظاهر هذا اللفظ: أن الذي عتب الله تعالى على موسى إنما هو أن قال: أنا أعلم. فأضاف الأعلمية إليه، ولم يقل: الله أعلم بمن هو أعلم الناس، فيفوَّض ذلك إلى الله، فيكون هذا من نوع ما عتبه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على لوط ـ عليه السلام ـ حيث قال: {قَالَ لَو أَنَّ لِي بِكُم قُوَّةً أَو آوِي إِلَى رُكنٍ شَدِيدٍ} وسيأتي تكميل هذا المعنى في كتاب التفسير - إن شاء الله تعالى -. فكان الأولى بموسى ـ عليه السلام ـ أن يقول: الله أعلم بمن هو أعلم الناس، لكن لما لم يعلم في زمانه رسولًا آتاه الله كتابًا فيه علم كل شيء وتفصيل الأحكام سواه، قال ذلك حسب ما كان في علمه. لكنه تعالى لم يرض منه بذلك لكمال معرفته بالله تعالى، ولعلوِّ منصبه. وفي بعض طرق البخاري: أن السائل قال لموسى: هل في الأرض أعلم منك؟ قال: لا، فعتب الله عليه إذ لم يردَّ العلم إليه.

قلت: وهذان اللفظان هما اللذان يتوجَّه العتب على موسى فيهما، وقد روي بألفاظ أخر، يبعد توجُّه العتب عليها، فقد روي أنه قال: لا أعلم في الأرض خيرًا ولا أعلم مني. وفي أخرى قيل له: هل تعلم أحدا أعلم منك؟ فقال: لا. فهذان اللفظان قد نفى فيهما العلم فيما سئل عنه عن نفسه، وهو حق صحيح وتبرؤ صريح، فكيف يتوجه على من قال مثل ذلك عتب، أو ينسب إلى تقصير؟ فالصحيح من حيث المعنى الذي صدر من موسى ـ عليه السلام ـ معنى اللفظين السابقين، فإنَّه جزم فيهما بأنه أعلم أهل الأرض، وهذا محل العتب على مثله،


(١) في صحيح مسلم والتلخيص: "أنا أعلم".

<<  <  ج: ص:  >  >>