للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَأَوحَى اللَّهُ إِلَيهِ أَنَّ عَبدًا مِن عِبَادِي بِمَجمَعِ البَحرَينِ هُوَ أَعلَمُ مِنكَ،

ــ

فإنَّه كان الأولى به أن يفوِّض علم ذلك إلى الله تعالى، وهذا يدل على صحة ما قلناه فيما تقدَّم من أن الذنوب المنسوبة إلى الأنبياء المعدَّدة عليهم إنما هي من باب ترك الأولى، وعوتبوا عليها بحسب مقاديرهم، فإنَّ حسنات الأبرار سيئات المقرَّبين.

و(قوله تعالى (١): إن عبدًا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، وفي الرواية الأخرى: بل عبدنا الخضر) اسم الخضر: بليا بن مَلكان على ما قاله بعض المفسرين، وسُمِّي الخضر، لأنه كان أينما صلَّى اخضر ما حوله، وفي الترمذي من حديث أبي هريرة عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إنما سُمِّي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فاهتزت تحته خضراء (٢). وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ومجمع البحرين: ملقاهما. قال قتادة: هما بحرا فارس والروم. السُّدِّي: هي الكر. والرس بأرمينية (٣)، أبي: وهما بإفريقية. القرطبي (٤): بطنجة. وحُكي عن ابن عباس: إن بحري العلم: الخضر وموسى، وكأنَّ هذا لا يصح عنه، والله أعلم.

و(قوله: هو أعلم منك) أي: بأحكام مفصَّلة، وحكم نوازل معيَّنة، لا مطلقًا، بدليل قول الخضر لموسى: إنَّك على علم علَّمكه الله لا أعلمه أنا، وأنا على علم علَّمنيه الله لا تعلمه أنت. وعلى هذا فيصدق على كل واحد منهما: أنه أعلم من الآخر بالنسبة إلى ما يعلمه كل واحد منهما، ولا يعلمه الآخر.

فلما سمع موسى هذا تشوَّفت نفسه الفاضلة، وهمَّته العالية لتحصيل علم ما لم يعلم، وللقاء


(١) أي: ما ورد في حديث الباب بقوله: فأوحى الله إليه.
(٢) رواه الترمذي (٢٣٥١).
(٣) هذه الأسماء ضبطت من معجم البلدان، لياقوت الحموي.
(٤) هو ابن عبد البر القرطبي المالكي المتوفى سنة ٤٦٣ هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>