للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لِي ذِمَّةً وَعَهدًا، وَقَالَ: فُلَانٌ لَطَمَ وَجهِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: لِمَ لَطَمتَ وَجهَهُ؟ قَالَ: قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَالَّذِي اصطَفَى مُوسَى عَلَيهِ السَّلَام عَلَى البَشَرِ، وَأَنتَ بَينَ أَظهُرِنَا! قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى عُرِفَ الغَضَبُ فِي

ــ

يصرح بأن موسى أفضل من محمد، لكنَّه لم يقدر على ذلك خوفًا على نفسه، ألا ترى أن المسلم فهم ذلك عنه، فأجابه بما يقتضي أن محمدًا أفضل من موسى، غير أنَّه قابل لفظ اليهودي بمثله، وقد بيَّن ذلك غاية البيان قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: لا تفضلوني على موسى فنهاهم عن ذلك، ثم إنا قد وجدنا نبيَّنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: أنا أكرم ولد آدم على ربي (١)، وأنا سيد ولد آدم، ولم يذهب أحدٌ من العلماء إلى أن هذا منسوخ، ولا مرجوح.

قلت: وهذا الوجه وإن كان حسنًا، فأولى منه أن يحمل الحديث على ظاهره من منع إطلاق لفظ التفضيل بين الأنبياء، فلا يجوز في المعين منهم، ولا غيرهم، ولا يقال: فلان النبي أفضل من الأنبياء كلهم، ولا من فلان، ولا خير، كما هو ظاهر هذا النهي، لما ذكر من توهم النقص في المفضول، وإن كان غير معين، ولأن النبوة خصلة واحدة لا تفاضل فيها، وإنَّما تفاضلوا بأمور غيرها كما بيَّناه قبل هذا الباب. ثم إن هذا النهي يقتضي منع إطلاق ذلك اللفظ لا منع اعتقاد ذلك المعنى، فإنَّ الله تعالى قد أخبرنا بأن الرسل متفاضلون كما قال تعالى: {تِلكَ الرُّسُلُ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ} وكما قد علمنا أن نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد خُصَّ بخصائص من الكرامات والفضائل بما لم يُخصّ به أحدٌ منهم، ومع ذلك فلا نقول: نبينا خير من الأنبياء، ولا من فلان النبي اجتنابا لما نهى عنه، وتأدبًا


(١) ذكره في الدر المنثور (٦/ ١١٩)، والزبيدي في الإتحاف (١٠/ ٤٩٦) وسبق تخريجه في التلخيص برقم (٢٨٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>