للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٢٢٩٤] وعن عَبدَ اللَّهِ بنَ مَسعُودٍ، عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَو كُنتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذتُ أَبَا بَكرٍ خَلِيلًا، وَلَكِن أَخِي وَصَاحِبِي، وَقَد اتَّخَذَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَاحِبَكُم خَلِيلًا.

ــ

بمعنى: اختار واصطفى، كما قال: {وَاتَّخَذَ قَومُ مُوسَى مِن بَعدِهِ مِن حُلِيِّهِم عِجلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} وقد سكت هنا عن أحد مفعوليها، وهو الذي دخل عليه حرف الجر، فكأنه قال: لو كنت متخذًا من النَّاس خليلًا لاتخذت منهم أبا بكر. ولبسط الكلام في ذلك علم النحو، وحاصله: أن اتَّخذ استعملت على ثلاثة أنحاء:

أحدها: تتعدى لمفعولين بنفسها.

وثانيها: تتعدى لأحدهما بحرف الجر.

وثالثها: تتعدى لمفعول واحد، وكل ذلك موجود في القرآن.

ومعنى هذا الحديث: أن أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ كان قد تأهل لأن يتخذه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ خليلًا، لولا المانع الذي منع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو أنه لما امتلأ قلبه بما تخلله من معرفة الله تعالى، ومحبته، ومراقبته، حتى كأنه مزجت أجزاء قلبه بذلك، لم يتسع قلبه لخليل آخر يكون كذلك فيه، وعلى هذا فلا يكون الخليل إلا واحدًا، ومن لم ينته إلى ذلك ممن تعلَّق القلب به فهو حبيب، ولذلك أثبت لأبي بكر وعائشة - رضي الله عنهما - أنهما أحب الناس إليه، ونفى عنهما الخلَّة، وعلى هذا فالخلَّة فوق المحبة، وقد اختلف أرباب القلوب في ذلك، فذهب الجمهور: إلى أن الخلَّة أعلى، تمسُّكًا بما ذكرناه، وهو متمسَّك قوي ظاهر، وذهب أبو بكر بن فورك (١) إلى أن المحبة أعلى، واستدل على ذلك: بأن الاسم الخاص بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ: الحبيب، وبإبراهيم: الخليل. ودرجة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرفع، فالمحبة أرفع. وقد ذكر القاضي عياض هذه المسألة في كتاب الشفا (٢)، واستوفى فيها البحث، فلتنظر


(١) هو محمد بن الحسن بن فُورَك، أبو بكر: واعظ، عالم بالأصول والكلام، من فقهاء الشافعية. من كتبه: "مشكل الحديث وغريبه". توفي سنة (٤٠٦ هـ).
(٢) انظر: الشفا (١/ ٤٠٩ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>