للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٢٣١٧] وعنه قَالَ: استُعمِلَ عَلَى المَدِينَةِ رَجُلٌ مِن آلِ مَروَانَ قَالَ: فَدَعَا سَهلَ بنَ سَعدٍ فَأَمَرَهُ أَن يَشتِمَ عَلِيًّا، قَالَ: فَأَبَى سَهلٌ، فَقَالَ لَهُ: أَمَّا إِذ أَبَيتَ فَقُل: لَعَنَ اللَّهُ أَبَا التُّرَابِ، فَقَالَ سَهلٌ: مَا كَانَ لِعَلِيٍّ اسمٌ أَحَبَّ إِلَيهِ مِن أَبِي التُّرَابِ، وَإِن كَانَ لَيَفرَحُ إِذَا دُعِيَ بِهَا، فَقَالَ لَهُ: أَخبِرنَا

ــ

عنه ـ في المسجد، وإقرار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ له على ذلك: دليل على جواز ذلك للمتأهل الذي له منزل، وبه قال بعضُ أهل العلم، وكرهه مالك من غير ضرورة، وأجازه للغرباء، لأنَّهم في حاجة وضرورة، وقد تقدَّم ذلك في كتاب الصلاة. ومسح النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جَنب علي من التراب، وهو يقول: قم أبا التراب، قم أبا التراب دليل على محبته له، وشفقته عليه، ولطفه به، ولذلك كان ذلك الاسم أحب إلى علي ـ رضي الله عنه ـ من كل ما يدعى به، فيا عجبًا من بني أمية كيف صيَّروا الفضائل رذائل، والمناقب معايب، لكن غلبة الأهواء تعوِّض الظلمة من الضياء، وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر بإسناده إلى ضرار الصُّدائي: وقال له معاوية: صف لي عليًّا، فقال: اعفني يا أمير المؤمنين! قال: صفه. قال: أما إذ ولا بد من وصفه، فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلًا، ويحكم عدلًا، يتفجَّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويأنس من الليل ووحشته، وكان غزير الدَّمعة، طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويفتينا إذا استفتيناه، ونحن - والله - مع تقريبه إيانا، وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له، يُعظم أهل الدِّين، ويُقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضًا على لحيته يتملل تملل السَّليم (١)، ويبكي بكاء الحزين، ويقول: يا دنيا غُرِّي غيري،


(١) "السليم": اللديغ، والجريح الذي أشرف على الهلاك، كأنهم يتفاءلون له بالسلامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>