للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَعدَ شَيءٍ سَمِعتُهُ مِن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: خُذُوا القُرآنَ مِن أَربَعَة نفر: مِن ابنِ أُمِّ عَبدٍ - فَبَدَأَ بِهِ - وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بنِ كَعبٍ، وَسَالِمٍ مَولَى أَبِي حُذَيفَةَ.

ــ

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: خذوا القرآن من أربعة: من ابن أم عبد) - فبدأ به - ليس فيه دليل على أنه أقرأ من أُبي، فإنَّه قد بيَّن ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالنص الجلي: أن أبيًّا أقرأ منه ومن غيره، فيحتمل أن يقال: إن الموجب لابتدائه اختصاصه به، وملازمته إياه، وحضوره في ذهنه، لا أنه أقرأ الأربعة. والله تعالى أعلم.

وهذا كله بناء على أن المقدَّم من المعطوفات له مزيَّة على المتأخر، وفيه نظر قد تقدَّم في الطهارة وفي الحج. وتخصيص هؤلاء الأربعة بالذكر دون غيرهم ممن حفظ القرآن من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وهم عدد كثير كما يأتي، لأنَّ هؤلاء الأربعة هم الذين تفرغوا لإقراء القرآن وتعليمه دون غيرهم ممن اشتغل بغير ذلك من العلوم، أو العبادات، أو الجهاد، وغير ذلك، ويحتمل أن يكون ذلك من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأنه علم أنهم هم الذين ينتصبون لتعليم الناس القرآن بعده، وليؤخذ عنهم، فأحال عليهم لما علم من مآل أمرهم، كما قد أظهر الموجود من حالهم، إذ هم أئمة القرَّاء، وإليهم تنتهي في الغالب أسانيد الفضلاء، والله أعلم.

ومعاذ المذكور في الحديث: هو معاذ بن جبل بن أوس الأنصاري الخزرجي، يُكنى: أبا عبد الرحمن، قيل: بولد كان له كبر إلى أن قاتل مع أبيه في اليرموك، ومات بالطاعون قبل أبيه بأيام، على ما ذكره محمد بن عبد الله الأزدي البصري في فتوح الشام وغيره. وقال الواقدي: إنه لم يولد لمعاذ قط، وقاله المدائني. أسلم معاذ وهو ابن ثماني عشرة سنة، وشهد العقبة مع السبعين، وشهد بدرًا، وجميع المشاهد، وولَاّه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على عمل من أعمال اليمن، وخرج معه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مودِّعًا ماشيًا، ومعاذ راكبًا، منعه من أن ينزل، وقال فيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

<<  <  ج: ص:  >  >>