للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأما جابر فهو عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن كعب بن غنم (١) بن كعب بن سَلَمَة الأنصاري السلمي، وهو أحد النقباء، شهد العقبة وبدرًا، وقُتِل يوم أحُد وَمُثِّل به.

وروى بقي بن مَخلَد عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: لقيني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: يا جابر، ما لي أراك منكسًا مهتمًا (٢)؟ ، قلت: يا رسول الله، استشهد أبي وترك عيالًا، وعليه دين! قال: أفلا أبشرك بما لقي الله عز وجل به أباك؟ ، قلت: بلى يا رسول الله! قال: إن الله عز وجل أحيا أباك وكلمه كفاحًا، وما كلَّم أحدًا قط إلا من وراء حجاب، فقال له: يا عبدي، تَمَنَّ أعطك! قال: يا رب، تردّني إلى الدنيا فأُقتل فيك ثانية فأبلِّغ من ورائي، فأنزل الله تعالى: {وَلا تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَموَاتًا بَل أَحيَاءٌ} الآية (٣).

قلت: وقد تضمَّن هذا الحديث فضيلة عظيمة لعبد الله لم يُسمَع بمثلها لغيره، وهي: أن الله تعالى كلَّمه مشافهة بغير حجاب حجبه به ولا واسطة قبل يوم القيامة، ولم يفعل الله تعالى ذلك مع غيره في هذه الدَّار، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحيًا أَو مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَو يُرسِلَ رَسُولا} وكما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث: وما كلَّم الله أحدًا قط إلا من وراء حجاب، وظاهر هذه الآية وهذا الحديث أن الله تعالى لم يفعل هذا في هذه الدَّار لحيٍّ ولا لميت إلا لعبد الله هذا خاصَّة، فيلزم على هذا العموم أنه قد خُصَّ من ذلك بما لم يُخَصّ به أحدٌ من الأنبياء، وهذا مشكل بالمعلوم من ضرورة الشرع ومن إجماع المسلمين على أن درجة الأنبياء وفضيلتهم أعظم من درجة الشهداء والأولياء كما تقدم، فوجه التَّلفيق أن


(١) في (ع): عثمان، وهو خطأ، انظر: أسد الغابة (١/ ٣٠٧).
(٢) في (ز): مغتمًا.
(٣) رواه الترمذي (٣٠١٠)، وابن ماجه (٢٨٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>