صدره، فكان يحفظ ما سمعه ولا ينساه، فلا جرم حفظ له من الحديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما لم يحفظ لأحد من الصحابة رضي الله عنهم، وذلك خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثًا، أخرج له منها في الصحيحين ستمائة وتسعة أحاديث، قال البخاري: روى عنه أكثر من ثمانمائة رجل من بين صحابي وتابعي. قال أبو عمر: استعمله عمر على البحرين ثم عزله، ثم أراده على العمل فأبى عليه، ولم يزل يسكن المدينة، وبها كانت وفاته سنة سبع وخمسين، وقيل: سنة ثمان، وقيل: سنة تسع، وقيل: توفي بالعقيق - وصلَّى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان أميرًا يومئذ على المدينة ومروان معزول، وكان رضي الله عنه من علماء الصحابة وفضلائها ناشرًا للعلم شديد التواضع والعبادة، عارفًا لنعم الله شاكرًا لها، مجتهدًا في العبادة. كان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثًا؛ يصلِّي هذا ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا ثم يوقظ هذا، وكان يقول: نشأت يتيمًا، وهاجرت مسكينًا، وكنت أجيرًا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني وعقبة رحلي، فكنت أخدم إذا نزلوا، وأحدو إذا ركبوا، فزوَّجنيها الله، فالحمد لله الذي جعل الدين قوامًا وجعل أبا هريرة إمامًا.