للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَوَقَعَ عَلَيهَا فَحَمَلَت، فَلَمَّا وَلَدَت قَالَت: هُوَ مِن جُرَيجٍ، فَأَتَوهُ فَاستَنزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَومَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضرِبُونَهُ فَقَالَ: مَا شَأنُكُم؟ قَالُوا:

ــ

صلاته، أو قطعها، وإجابة أمه، لا سيما وقد تكرر مجيئها إليه، وتشوقها واحتياجها لمكالمته. وهذا كله يدلّ على تعين إجابته إياها، ألا ترى أنه أغضبها بإعراضه عنها، وإقباله على صلاته؟ ويبعد اختلاف الشرائع في وجوب بر الوالدين. وعند ذلك دعت عليه، فأجاب الله دعاءها تأديبا له، وإظهارا لكرامتها، والظاهر من هذا الدعاء أن هذه المرأة كانت فاضلة عالمة، ألا ترى كيف تحرزت في دعائها فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات، فقالت: حتى ينظر، ولم تقل غير ذلك، وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث: ولو دعت عليه أن يفتن لفتن. وهي أيضًا: لو كظمت غيظها وصبرت لكان ذلك الأولى بها، لكن لما علم الله تعالى صدق حالهما لطف بهما، وأظهر مكانتهما عنده بما أظهر من كرامتهما.

وفائدته: تأكد سعي الولد في إرضاء الأم، واجتناب ما يغير قلبها، واغتنام صالح دعوتها، ولذلك قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: الجنة تحت أقدام الأمهات (١) أي: من انتهى من التواضع لأمه بحيث لا يشق عليه أن يضع قدمها على خده استوجب بذلك الجنة، والأولى في هذا الحديث أن يقال: أنه خرج مخرج المثل الذي يقصد به الإغياء في المبرة والإكرام، وهو نحو من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: الجنة تحت ظلال السيوف (٢).

والمومسات: جمع مومسة، وهي الزانية.


(١) ذكره العجلوني في كشف الخفاء (١/ ٣٣٥) وقال: رواه الخطيب في جامعه، والقضاعي في مسنده عن أنس، ورواه الديلمي في مسند الفردوس (٢٦١١)، وابن عدي في الكامل (٦/ ٢٣٤٧).
(٢) رواه البخاري (٣٠٢٥)، ومسلم (١٧٤٢)، وأبو داود (٢٦٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>