للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قَالَت: بَلَى، قَالَ: فَذَاكِ لَكِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: اقرَؤوا إِن شِئتُم فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدُوا فِي الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُم اللَّهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمَى أَبصَارَهُم أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَم عَلَى قُلُوبٍ أَقفَالُهَا.

رواه البخاريُّ (٥٩٨٧)، ومسلم (٢٥٥٤).

ــ

أحدهما: أن يكون الله تعالى أقام من يتكلم عن الرحم من الملائكة، فيقول ذلك، وكأنه وكل بهذه العبادة من يناضل عنها، ويكتب ثواب من وصلها، ووزر من قطعها، كما قد وكل الله بسائر الأعمال كراما كاتبين، وبمشاهدة أوقات الصلوات ملائكة متعاقبين.

وثانيهما: أن ذلك على وجه التقدير والتمثيل المفهم للإغياء، وشدة الاعتناء، فكأنه قال: لو كانت الرحم ممن يعقل ويتكلم لقالت هذا الكلام، كما قال تعالى: {لَو أَنزَلنَا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِن خَشيَةِ اللَّهِ} ثم قال: {وَتِلكَ الأَمثَالُ نَضرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ}

وعلى التقديرين فمقصود هذا الكلام: الإخبار بتأكد أمر صلة الرحم؟ وأنه تعالى قد نزلها منزلة من قد استجار به فأجاره، وأدخله في ذمته وخفارته، وإذا كان كذلك فجار الله تعالى غير مخذول، وعهده غير منقوض؛ ولذلك قال مخاطبا للرحم: أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ ! وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم: من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنَّه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في النار (١).

وقوله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا إن شئتم: {فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدُوا فِي الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم} عسى: من أفعال المقاربة، ويكون رجاء وتحقيقا، قال الجوهري: عسى من الله واجبة في جميع القرآن إلا قوله تعالى:


(١) رواه مسلم (٦٥٧)، والترمذي (٢٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>