للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

السَّائِبِ - أَو أُمِّ المُسَيَّبِ - فَقَالَ: مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ - أَو يَا أُمَّ المُسَيَّبِ - تُزَفزِفِينَ؟ قَالَت: الحُمَّى! لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا، فَقَالَ: لَا تَسُبِّي الحُمَّى فَإِنَّهَا تُذهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ.

رواه مسلم (٢٥٧٥).

ــ

و(قوله: ما لك يا أم السائب! تزفزفين) جميع رواة مسلم روى هذه الكلمة بالزاي والفاء فيهما، ويقال بضم التاء وفتحها من الزفزفة، وهي صوت حفيف الريح. يقال: زفزفت الريح الحشيش: أي حركته، وزفزف النعام في طيرانه: أي: حرك جناحيه، وقد رواه بعض الرواة بالقاف والراء، قال أبو مروان بن سراج: يقال: بالقاف وبالفاء بمعنى واحد، بمعنى ترعدين (١).

قلت: ورواية الفاء أعرف رواية، وأصح معنى، وذلك أن الحمى تكون معها حركة ضعيفة، وحس صوت يشبه الزفزفة التي هي حركة الريح وصوتها في الشجر. وقالوا: ريح زفزافة وزفزف. وأما الرقرقة بالراء والقاف: في التلألؤ واللمعان. ومنه: رقراق السراب، ورقراق الماء: ما ظهر من لمعانه، غير أنه لا يظهر لمعانه إلا إذا تحرك وجاء وذهب، فلهذا حسن أن يقال: مكان الرقراقة، لكن تفارق الزفزفة الرقرقة بأن الزفزفة معها صوت، وليس ذلك مع الرقرقة، فانفصلا.

و(قوله: لا تسبي الحمى) مع أنها لم تصرح بسب الحمى، وإنما دعت عليها بألا يبارك فيها، غير أن مثل هذا الدعاء تضمن تنقيص المدعو عليه وذمه، فصار ذلك كالتصريح بالذم والسب، ففيه ما يدلّ على أن التعريض والتضمين كالتصريح في الدلالة، فيحد كل من يفهم عنه القذف من لفظه؛ وإن لم يصرح به، وهو مذهب مالك كما تقدَّم.

و(قوله: فإنَّها تذهب خطايا بني آدم) هذا تعليل لمنع سب الحمى لما


(١) من الرَّعدة، رهي: رِعْشة في الجسم تكون من فزع أو مرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>