منهما من شاء من خلقه، وأن ذلك لا يقدر عليه إلا هو، كما قال تعالى:{كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ} وكما قال: {وَمَا كُنَّا لِنَهتَدِيَ لَولا أَن هَدَانَا اللَّهُ} وكما قال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَن يَشَاءَ اللَّهُ} وقد نطق الكتاب بما لا يبقى معه ريب لذي فهم سليم بقوله: {وَاللَّهُ يَدعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ} فعم الدعوة، وخص بالهداية من سبقت له العناية. واستيفاء الكلام في علم الكلام.
وحاصل قوله: كلكم ضال إلا من هديته، وكلكم جائع، وكلكم عار التنبيه على فقرنا وعجزنا عن جلب منافعنا، ودفع مضارنا بأنفسنا؛ إلا أن ييسر ذلك لنا؛ بأن يخلق ذلك لنا، ويعيننا عليه، ويصرف عنا ما يضرنا. وهو تنبيه على معنى قوله: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (١)، ومع ذلك فقال في آخر الحديث: يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم، فمن وجد خيرا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه تنبيها على أن عدم الاستقلال بإيجاد الأعمال لا يناقض خطاب التكليف بها، إقداما عليها، وإحجاما عنها، فنحن - وإن