للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[٢٥٣٣] وعَن جُندَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ،

ــ

يجعل على الكتفين، ولما كان هذان الثوبان يخصان اللابس بحيث لا يستغني عنهما، ولا يقبلان المشاركة، عبر الله تعالى عن العز بالإزار، وعن الكبرياء بالرداء، على جهة الاستعارة المستعملة عند العرب، كما قال: {وَلِبَاسُ التَّقوَى ذَلِكَ خَيرٌ} فاستعار للتقوى لباسا، وكما قال صلى الله عليه وسلم: من أسر سريرة ألبسه الله رداءها (١). وكما قال: البسوا قناع المخافة، وادرعوا لباس الخشية. وهم يقولون: فلان شعاره الزهد والورع، ودثاره التقوى، وهو كثير. ومقصود هذه الاستعارة الحسنة: أن العز والعظمة والكبرياء، من أوصاف الله تعالى الخاصة به، التي لا تنبغي لغيره. فمن تعاطى شيئا منها أذله الله تعالى وصغره وحقره وأهلكه، كما قد أظهر الله تعالى من سنته في المتكبرين السابقين واللاحقين.

و(قول المتألي: والله لا يغفر الله لفلان) ظاهر في أنه قطع بأن الله تعالى لا يغفر لذلك الرجل، وكأنه حكم على الله، وحجر عليه. وهذه نتيجة الجهل بأحكام الإلهية، والإدلال على الله تعالى بما اعتقد أن له عنده من الكرامة والحظ والمكانة، وكذلك المذنب من الخسة والإهانة؛ فإنَّ كان هذا المتألي مستحلا لهذه الأمور، فهو كافر، فيكون إحباط عمله لأجل الكفر، كما يحبط عمل الكفار، وأما إن لم يكن مستحلا لذلك، وإنما غلب عليه الخوف، فحكم بإنفاذ الوعيد، فليس بكافر، ولكنه (٢) مرتكب كبيرة، فإنَّه قانط من رحمة الله، فيكون إحباط عمله بمعنى أن ما أوجبت له هذه الكبيرة من الإثم يربي على أجر أعماله الصالحة، فكأنه لم يبق له عمل صالح.


(١) ذكره القرطبي في تفسيره (٣/ ٣٢٦).
(٢) في (ز): ولأنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>