جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم حق الجوار، وكثر عليه من ذلك، غلب على ظن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سيحكم بالميراث بين الجارين. وهذا يدلّ على أن هذا الجار هنا هو جار الدار، لأنَّ الجار بالعهد قد كان من أول الإسلام يرث، ثم نسخ ذلك، كما تقدَّم، فإن كان هذا القول صدر من النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر، فقد كان التوارث مشروعا، فمشروعيته واقعة محققة غير منتظرة، ولا مظنونة، وإن كان بعد ذلك فرفع ذلك الحكم ونسخه محقق، فكيف تظن مشروعيته؟ ! فتعين أن المراد بالجوار في هذا الحديث هو جوار الدار، والله تعالى أعلم.
و(قوله: إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك) هذا الأمر على جهة الندب، والحض على مكارم الأخلاق، وإرشاد إلى محاسنها، لما يترتب عليه من المحبة، وحسن العشرة والألفة، ولما يحصل به من المنفعة، ودفع الحاجة والمفسدة، فقد يتأذى الجار بقتار (١) قدر جاره، وعياله وصغار ولده، ولا يقدر على التوصل إلى ذلك، فتهيج من ضعفائهم الشهوة، ويعظم على القائم عليهم الألم والكلفة، وربما يكون يتيما، أو أرملة ضعيفة، فتعظم المشقة، ويشتد منهم الألم والحسرة، وكل ذلك يندفع بتشريكهم في شيء من الطبيخ يُدفع إليهم، فلا أقبح من منع هذا النذر اليسير الذي يترتب عليه هذا الضرر الكبير.
و(قوله: فأكثر ماءها) تنبيه لطيف على تيسير الأمر على البخيل؛ إذ الزيادة
(١) "القتار": دخان ذو رائحة خاصّة ينبعث من الشِّواء أو الطبيخ.