مُخَلَّقَةٍ} فالمخلقة: المصورة، وغير المخلقة: السقط. قال أبو العالية وغيره: وهذا التخليق والتصوير يكون في مدة أربعين يوما، وحينئذ ينفخ فيه الروح، وهو المعني بقوله تعالى:{ثُمَّ أَنشَأنَاهُ خَلقًا آخَرَ} في قول الحسن والكلبي من المفسرين. قال القاضي: ولم يختلف أن نفخ الروح فيه بعد مائة وعشرين يوما، وذلك تمام أربعة أشهر، ودخوله في الخامس، وهذا موجود بالمشاهدة، وعليه يعول فيما يحتاج إليه من الأحكام في الاستلحاق عند التنازع، وفي وجوب النفقات على حمل المطلقات، وذلك لتيقنه بحركة الجنين في الجوف. وقد قيل: إنه في عدة المرأة من الوفاة بأربعة أشهر وعشر. وهذا الدخول في الخامسة يحقق براءة الرحم ببلوغ هذه المدة إذا لم يظهر حمل. ونفخ الملك في الصورة سبب يخلق الله عنده بها الروح والحياة، لأنَّ النفخ المتعارف إنَّما هو إخراج ريح من النافخ يتصل بالمنفوخ فيه، ولا يلزم منه عقلا ولا عادة في حقنا تأثير في المنفوخ فيه؛ فإن قدر حدوث شيء عند ذلك النفخ، فذلك بإحداث الله تعالى لا بالنفخ، وغاية النفخ: أن يكون معدا عاديا لا موجبا عقليا، وكذلك القول في سائر الأسباب المعتادة، فتأمل هذا الأصل وتمسك به، فبه النجاة من مذاهب أهل الضلال من أهل الطبائع وغيرهم.
و(قوله: ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد) ظاهر هذا اللفظ: أن الملك يؤمر بكتب هذه الأربعة ابتداء، وليس كذلك، بل إنما يؤمر بذلك بعد أن يسأل عن ذلك فيقول: يا رب! ما الرزق؛ ما الأجل؛ ما العمل؛ وهل شقي أو سعيد؛ كما تضمنته الأحاديث الآتية بعد، بل قد روى يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: حدثنا داود، عن عامر، عن علقمة، عن ابن مسعود، وعن ابن عمر: إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه، وقال: أي رب، أذكر أم أنثى؛ شقي أم سعيد؛ ما الأجل؛ ما الأثر؛ بأي أرض تموت؛ فيقال له: انطلق إلى أم الكتاب؛ فإنك تجد قصة هذه النطفة، فينطلق فيجد