وفي أخرى: إنَّ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِالرَّحِمِ إِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَن يَخلُقَ شَيئًا أذنِ اللَّه لِبِضعٍ وَأَربَعِينَ لَيلَةً. ثُمَّ ذَكَرَ نَحوَ ما تقدم
رواه أحمد (٦/ ٧)، ومسلم (٢٦٤٤ و ٢٦٤٥)(٢ و ٣ و ٤).
ــ
ملكا وصورها وخلق سمعها وبصرها، وجلدها وعظامها فعطف بالفاء المرتبة، وهذا لا يكون حتى تصل النطفة إلى حال نهاية المضغة، كما دل عليه ما تقدَّم. وبهذا تتفق الروايات، ويزول الاضطراب المتوهم فيها، والله أعلم.
ونسبة الخلق والتصوير للملك نسبة مجازية لا حقيقية، وإنما صدر عنه فعل ما في المضغة - كأن عنه التصوير والتشكيل - بقدرة الله تعالى وخلقه واختراعه. ألا ترى أن الله تعالى قد أضاف إليه الخلقة الحقيقية، وقطع عنا نسب جميع الخليقة، فقال:{وَلَقَد خَلَقنَاكُم ثُمَّ صَوَّرنَاكُم} وقال: {وَلَقَد خَلَقنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلنَاهُ نُطفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} وقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُم فِي رَيبٍ مِنَ (ل بَعثِ فَإِنَّا خَلَقنَاكُم مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُطفَةٍ} الآية، وقال:{وَصَوَّرَكُم فَأَحسَنَ صُوَرَكُم وَإِلَيهِ المَصِيرُ} وغير ذلك من الآيات. هذا مع ما دلت عليه قاطعات البراهين من أنه لا خالق لشيء من المخلوقات إلا رب العالمين.
تنبيه: هذا الترتيب العجيب، وإن خفيت حكمته، فقد لاحت لنا حقيقته، وهو أنه كذلك سبق في علمه، وثبت في قضائه وحكمه، وإلا فمن الممكن أن يوجد الإنسان وأصناف الحيوان، بل وجميع المخلوقات، في أسرع من لحظة،