للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمَضَى عَلَيهِم مِن قَدَرِ مَا سَبَقَ؛ أَو فِيمَا يُستَقبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُم بِهِ نَبِيُّهُم، وَثَبَتَت الحُجَّةُ عَلَيهِم؛ فَقُلتُ: بَل شَيءٌ قُضِيَ عَلَيهِم، وَمَضَى عَلَيهِم. قَالَ: فَقَالَ: فَلَا يَكُونُ ظُلمًا؛ قَالَ: فَفَزِعتُ مِن ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا، وَقُلتُ: كُلُّ شَيءٍ خَلقُ اللَّهِ وَمِلكُ يَدِهِ فَلَا يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلُونَ. فَقَالَ لِي: يَرحَمُكَ اللَّهُ! إِنِّي لَم أُرِد بِمَا سَأَلتُكَ إِلَّا لِأَحزِرَ عَقلَكَ! إِنَّ رَجُلَينِ مِن مُزَينَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيتَ مَا يَعمَلُ النَّاسُ اليَومَ،

ــ

و(قوله: فلا يكون ظلما) كذا الرواية بغير ألف استفهام، وهي مرادة؛ إذ بالاستفهام حصل فزع المسؤول، وبه صح أن يكون ما أتى به من قوله: كل شيء خلق الله وملك يده. . . إلى آخره. جوابا عما سأله عنه، ولو لم يكن الاستفهام مرادا لكان الكلام نفيا للظلم، وهو صحيح وحق، ولا يفزع من ذلك ولا يستدعي جوابا. وبيان ما سأله عنه أنه لما تقرر عنده أن ما يعمل الناس فيه شيء قضي به عليهم، ولا بد لهم منه، فكأنهم يُلجؤون إليه، فكيف يعاقبون على ذلك؛ فعقابهم على ذلك ظلم، وهذه من شُبه القدرية المبنية على التحسين والتقبيح، وقد أجاب عن ذلك أبو الأسود، وأحسن في الجواب، ومقتضى الجواب أن الظلم لا يُتصور من الله تعالى، فإنَّ الكل خلقه وملكه، لا حجر عليه، ولا حُكم، فلا يتصور في حقه الظلم لاستحالة شرطه، على ما بيناه غير مرة، ثم عضد بقوله: {لا يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلُونَ} ولما سمع عمران هذا الجواب تحقق أنه قد وُفق للحق، وأصاب عين الصواب، فاستحسن ذلك منه، وأخبره أنه إنما امتحنه بذلك السؤال ليختبر عقله، وليستخرج عمله، ثم أفاده الحديث المذكور، ومعناه قد تقدم الكلام عليه (١). ثم قال: وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا} وقوله: {وَنَفسٍ} هو قسم بنفوس بني آدم،


(١) ما بين حاصرتين سقط من (م ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>