للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذكُرُنِي،

ــ

فإنَّ الله تعالى قد وعد بقبول التوبة الصادقة، والأعمال الصالحة، فأما لو عمل هذه الأعمال، وهو يعتقد، أو يظن أن الله تعالى لا يقبلها، وأنها لا تنفعه، فذلك هو القنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله، وهو من أعظم الكبائر، ومن مات على ذلك وصل إلى ما ظن منه، كما قد جاء في بعض ألفاظ هذا الحديث: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن عبدي بي ما شاء (١). فأمَّا ظن المغفرة والرحمة مع الإصرار على المعصية، فذلك محض الجهل والغرة، وهو يجر إلى مذهب المرجئة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله (٢). والظن: تغليب أحد المجوزين بسبب يقتضي التغليب، فلو خلا عن السبب المغلب لم يكن ظنا بل غرة وتمنيا. وقد تقدَّم في الجنائز الكلام على قوله: لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله (٣).

و(قوله: وأنا معه حين يذكرني) أصل الذكر: التنبه بالقلب للمذكور، والتيقظ له، ومنه قوله: {اذكُرُوا نِعمَتِيَ الَّتِي أَنعَمتُ عَلَيكُم} أي: تذكروها. وقوله صلى الله عليه وسلم: من نام عن صلاة أو نسيها، فليصلها إذا ذكرها (٤) أي: إذا تذكرها بقلبه. وهو في القرآن كثير. وسمي القول باللسان ذكرا؛ لأنَّه دلالة على الذكر القلبي، غير أنه قد كثر اسم الذكر على القول اللساني حتى صار هو السابق للفهم، وأصل مع الحضور والمشاهدة، كما قال تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسمَعُ وَأَرَى} وكما قال: {وَهُوَ مَعَكُم أَينَ مَا كُنتُم} أي: مطلع عليكم


(١) رواه أحمد (٣/ ٤٩١ و ٤/ ١٠٦)، وابن حبان في صحيحه (٦٣٣)، (وابن المبارك في الزهد (٩٠٩).
(٢) رواه الترمذي (٢٤٦١).
(٣) رواه مسلم (٢٨٧٧)، وأبو داود (٣١١٣).
(٤) ذكره ابن عبد البر في التمهيد (٣/ ٢٨٩ و ٥/ ٢١٦ و ٢٥١ و ٦/ ٣٩٧). وانظر: المصنف لابن أبي شيبة (٢/ ٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>