بيان الأول: أنه قد يندم، ويقلع، ويعزم، ولا يكون تائبا شرعا، إذ قد يفعل ذلك شحا على ماله، أو لئلا يعيره الناس من ذلك. ولا تصح التوبة الشرعية إلا بالنية والإخلاص؛ فإنَّها من أعظم العبادات الواجبات، ولذلك قال تعالى:{تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوبَةً نَصُوحًا}
وأما الثاني: فبيانه أنه يخرج منه مَن زنى مثلا، ثم قطع ذكره، فإنَّه لا يتأتى منه غير الندم على ما مضى من الزنى، وأما العزم والإقلاع فغير متصورين منه، ومع ذلك فالتوبة من الزنى صحيحة في حقه إجماعا، وبهذا اغتر من قال: إن الندم يكفي في حد التوبة، وليس بصحيح؛ لأنَّه لو ندم ولم يقلع، وعزم على العود، لم يكن تائبا اتفاقا، ولما فهم بعض المحققين هذا حد التوبة بحد آخر، فقال: هي ترك اختيار ذنب سبق منك مثله، حقيقة أو تقديرا؛ لأجل الله تعالى، وهذا أسد العبارات وأجمعها، وبيان ذلك: أن التائب لا بد أن يكون تاركا للذنب، غير أن ذلك الذنب الماضي قد وقع، وفرغ منه، فلا يصح تركه؛ إذ هو غير متمكن من عينه لا تركا ولا فعلا، وإنما هو متمكن من مثله حقيقة، وهو زنى آخر مثلا، فلو جب لم تصح منه حقيقة الزنى، بل: الذي يصح منه أن يقدر أنه لو كان متمكنا من الزنى لتركه. فلو قدرنا من لم يقع منه ذنب لم يصح منه إلا اتقاء ما يمكن أن يقع، لا ترك مثل ما وقع، فيكون متقيا لا تائبا، فتدبر هذا.
و(قوله: لأجل الله تعالى) تحرز من ترك ذلك لغير الله تعالى؛ إذ ذلك لا يكون تائبا اتفاقا، فلا يكون فعله ذلك توبة، وهذا واضح، وإذا تقرر هذا فاعلم أن الباعث على التوبة تنبيه إلهي ينبه به من أراد سعادته لقبح الذنوب وضررها؛ فإنها سموم مهلكة تفوت على الإنسان سعادة الدنيا والآخرة، وتحجبه عن معرفة الله تعالى في الدنيا، وعن تقريبه وكرامته في الدار الآخرة. ومن انكشف له هذا، وتفقد نفسه وجد نفسه مشحونة بهذا السم، ومملوءة بهذه الآفات، فلا شك في أن