رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوبَةِ عَبدِهِ المُؤمِنِ مِن رَجُلٍ فِي أَرضٍ دَوِّيَّةٍ مَهلِكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ عَلَيهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاستَيقَظَ وَقَد
ــ
من حصل له علم ذلك، انبعث منه خوف هجوم الهلاك، فتتعين عليه المبادرة لطلب أمر يدفع به عن نفسه ضرر ما يتوقعه ويخافه. فحينئذ ينبعث منه الندم على ما فرط، وترك مثل ما سبق؛ مخافة عقوبة الله تعالى، فيصدق عليه أنه تائب، فإن لم يكن كذلك كان مصرا على المعصية، وملازما لأسباب الهلكة.
ثم اعلم بعد هذا: أن الذنوب إما كفر، وإما غيره، فتوبة الكافر عند موته مقطوع بعدم قبولها، وما عداها فمقبولة إن شاء الله، بوعده الصدق، وقوله الحق.
وأعني بالقبول: الخلاص من ضرر الذنوب حتى يرجع كمن لم يعمل ذنبا، كما قال صلى الله عليه وسلم: التائب من الذنب كمن لا ذنب له (١). ثم إن الذنب الذي يتاب منه إما حق لله تعالى، وإما حق لغيره، فحق الله تعالى يكفي في التوبة منه الترك الذي ذكرناه، غير أن منها: ما لم يكتف الشرع منه بمجرد الترك، بل: أضاف إلى ذلك في بعضها قضاء، كالصلاة والصوم، ومنها: ما أضاف إليها كفارة، كالحنث في الأيمان والظهار وغير ذلك، فلا يرتفع ضرر ذلك الذنب إلا بتركه وفعل ما أمره الله تعالى به من القضاء والكفارة. وأما حقوق الآدميين، فلا بد من إيصالها إلى مستحقيها، فإن لم توصل إلى أربابها لم يتخلص من ضرر ذلك الذنب إلا بتركه وفعل ما أمره الله به، ومن اجتهد في الخروج عن الحقوق، فلم يقدر على الخروج منها، فعفو الله مأمول، وفضله مبذول، وكم ضمن من التبعات، وكم بذل من السيئات بالحسنات، وتفصيل ما أجملناه موجود في كتب مشايخ الإسلام، رحمهم الله.
و(قوله: لله أشد فرحا بتوبة عبده المؤمن من رجل في أرض دوية مهلكة. . . الحديث) هذا مثل قُصد به بيان سرعة قبول الله تعالى لتوبة عبده التائب