و(قوله: لئن قدر الله عليه ليعذبنه) الرواية التي لا يعرف غيرها: (قَدَر) بتخفيف الدال، وظاهر هذا اللفظ أنه شك في كون الله تعالى يقدر على إحيائه وإعادته، ولذلك أمر أهله أن يحرقوه، ويسحقوه، ويذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فكأنه توقع إذا فعل به ذلك تعذرت إعادته. وقد أوضح هذا المعنى ما رواه بعض الرواة في غير كتاب مسلم قال: فلعلي أُضل الله أي: أغيب عنه. وهذا ظاهر في شك الرجل في علم الله تعالى، والأولى ظاهرة في شكه في أنه تعالى يقدر على إعادته، ولما كان هذا، انقسم الناس في تأويل هذا الحديث قسمين: القسم الأول طائفة حملت ذلك على ظاهره، وقالوا: إن هذا الرجل جهل صفتين من صفات الله تعالى وهما: العلم والقدرة، ومن جهل ذلك لم يخرج من اسم الإيمان، بخلاف من جحدها، وإليه رجع أبو الحسن الأشعري، مع أنه قد كان تقدَّم له قول آخر بأنه مكفر. وهو مذهب الطبري.
قلت: وهذه الطائفة انصرفت عن معنى الحديث إلى معنى آخر، اختلف فيه المتكلمون. وهو تكفير من اعترف بأن الله قادر بلا قدرة، وعالم بلا علم، ومريد بلا إرادة، فهل يكفر أم لا يكفر؟ على اختلاف القولين المتقدمين. ولا يختلف المسلمون في أن من جهل أو شك في كون الباري تعالى عالما به وقادرا على إعادته كافر، حلال الدم في الدنيا، مخلد في النار في الآخرة؛ لأنَّ ذلك معلوم من الشرع بالضرورة، وجحده أو الشك فيه تكذيب للرسول صلى الله عليه وسلم قطعا.
فمقتضى الحديث بظاهره أن الرجل كافر على مقتضى شريعتنا. ولذلك قالت طائفة: فلعل شرع ذلك الرجل لم يكن فيه الحكم بتكفير من جهل ذلك، أو شك فيه، والتكفير حكم من الأحكام الشرعية، فيجوز أن تختلف الشرائع فيه، كما قال تعالى:{لِكُلٍّ جَعَلنَا مِنكُم شِرعَةً وَمِنهَاجًا}