للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلتَ هَذَا؟ قَالَ: مِن خَشيَتِكَ يَا رَبِّ وَأَنتَ أَعلَمُ، فَغَفَرَ اللَّهُ لَهُ.

رواه البخاريُّ (٧٥٠٦)، ومسلم (٢٧٥٦) (٢٤).

ــ

قلت: وهذا فيه نظر؛ لأنَّ هاتين القاعدتين من ضروريات الشرائع، إذ لا تصح شريعة مع الجهل بأنَّ الله عالم قادر مريد، ولا مع الشك فيها، فلا بد أن تنص الرسل لقومهم على هذه الصفات، مع أن العقول تدل عليها، فيكون العلم بها (١) ضروريا من كل الشرائع، كما كان ذلك ضروريا في شرعنا، فيكون جاحد ذلك والشاك فيه مكذبا لرسوله، وتكذيب الرسل كفر في كل شرع بالضرورة.

وقالت طائفة ثالثة: يجوز أن تكون شريعة أولئك القوم أن الكافر يغفر له، فإنَّ هذا جائز عقلا، فلا يبعد أن يكون ذلك شرعا مع القطع بأن ذلك لا يصح في شرعنا، ومن شك فيه فهو كافر.

قلت: وهذا يتطلب أيضًا أحاديث الشفاعة المتقدِّمة في الإيمان، فإنها تقتضي أن أهل التوحيد المعذبين في النار إذا شفع فيهم أنبياؤهم، وشفع نبينا صلى الله عليه وسلم حتى لا يبقى أحد من أمته في النار قال حينئذ نبينا: يا رب! ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول الله له: ليس ذاك إليك، فحينئذ يقول الله: وعزتي وجلالي لأخرجن من قال لا إله إلا الله (٢). وعمومات القرآن تدل على أن من مات كافرا، كائنا من كان، لا يخرج من النار، ولا تناله شفاعة شافع.

القسم الثاني: قالوا: إنه لم يكن جاهلا بصفة من صفات الله تعالى، ولا شاكا في شيء منها، وتأولوا الحديث تأويلات:

أحدها: أن الرجل صدر عنه ما صدر حالة خوف غالب عليه، فغلط، فلم


(١) في (ز): بذلك.
(٢) رواه البخاري (٧٥١٠)، ومسلم (١٩٣) (٣٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>