للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَوبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَتَلَهُ فَكَمَّلَ بِهِ مِائَةً، ثُمَّ سَأَلَ عَن أَعلَمِ أَهلِ الأَرضِ، فَدُلَّ عَلَى رَجُلٍ عَالِمٍ فَقَالَ: إِنَّهُ قَتَلَ مِائَةَ نَفسٍ فَهَل لَهُ مِن تَوبَةٍ؟ فَقَالَ: نَعَم،

ــ

ذلك الراهب، وعدم فطنته، حيث لم يصب وجه الفتيا، ولا سلك طريق التحرز على نفسه، ممن صار القتل له عادة معتادة، فقد صار هذا مثل الأسد الذي لا يبالي بمن يفترسه، فكان حقه ألا يشافهه بمنع التوبة مداراة لدفع القتل عن نفسه، كما يداري الأسد الضاري، لكنه أعان على نفسه، فإنَّه لما آيسه من رحمة الله وتوبته قتله، بحكم سبعيته ويأسه من رحمة الله وتوبته عليه، ولما لطف الله به بقي في نفسه الرغبة في السؤال عن حاله. فما زال يبحث إلى أن ساقه الله تعالى إلى هذا الرجل العالم الفاضل، فلما سأله نطق بالحق والصواب، فقال له: ومن يحول بينك وبينها؟ مفتيا ومنكرا على من ينفيها عنه، ثم إنه أحاله على ما ينفعه، وهو مفارقته لأرضه التي كانت غلبت عليه بحكم عادة أهلها الفاسدة، ولقومه الذين كانوا يعينونه على ذلك، ويحملونه عليه. وبهذا يُعلم فضل العلم على العبادة، فإنَّ (ل ول غلبت عليه الرهبانية. واغتر بوصف الناس له بالعلم، فأفتى بغير علم، فهلك في نفسه وأهلك غيره.

والثاني كان مشتغلا بالعلم ومعتنيا به، فوفق للحق، فأحياه الله في نفسه، وأحيا به الناس. قال القاضي: ومذهب أهل السنة والجماعة أن التوبة تكفر القتل كسائر الذنوب، وهو قول كافة العلماء، وما روي عن بعضهم من تشديد في الزجر وتورية في القول فإنما ذلك؛ لئلا يجترئ الناس على الدماء، وقد اختلف في قوله تعالى: {وَمَن يَقتُل مُؤمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} فقيل: معناه: إن جازاه، وقيل: الخلود: طول الإقامة لا التأبيد، وقيل: الآية في رجل بعينه قتل رجلا له عليه دم بعد أخذ الدية، ثم ارتد، وقد تقدَّم القول على أن كل ما دون الشرك يجوز أن يغفره الله تعالى، وأنه ليس من ذلك شيء كفرا، قتلا كان أو ترك صلاة أو غيرها، كما دل عليه قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} ولقوله في حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه -: تبايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا، ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>