للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عَمرِو بنِ العَاصِ، وَسَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَلَسنَا مِن فُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ؟ فَقَالَ لَهُ عَبدُ اللَّهِ: أَلَكَ امرَأَةٌ تَأوِي إِلَيهَا؟ قَالَ: نَعَم، قَالَ: أَلَكَ مَسكَنٌ تَسكُنُهُ؟

ــ

كتيبة الفقراء الداخلين الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام؛ لأنَّهم وسطهم، والوسط: العدل. وليسوا من الأغنياء كما قررناه، فاقتضى ذلك ما ذكرناه، والله تعالى أعلم.

و(قول الرجل لعبد الله بن عمرو: ألسنا من الفقراء؟ ) سؤال تقرير، وكأنه سأل شيئًا من الفيء الذي قال الله تعالى فيه: {لِلفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخرِجُوا مِن دِيَارِهِم وَأَموَالِهِم يَبتَغُونَ فَضلا مِنَ اللَّهِ وَرِضوَانًا} وكأن ذلك الرجل قال: ألسنا من الفقراء الذين يستحقون من الفيء سهما بنص القرآن؟ وكأنه أنجز له مع ذلك الالتفات إلى الفقراء المهاجرين، وتبجح به، فأجابه عبد الله بما يكسر ذلك منه، ويزيل آفة الالتفات إلى الأعمال بما يقتضي: أن الأحق باسم الفقر من المهاجرين من كان متجردا عن الأهل والمسكن، كما كان حال أهل الصفة في أول الأمر. وصار معنى هذا الحديث إلى نحو قوله صلى الله عليه وسلم: ليس الشديد بالصرعة (١) وليس المسكين بالطواف (٢)، فكأن عبد الله قال له: ليس الفقير المهاجر الذي تكون له زوجة ومسكن، وإنما الفقير المتجرد عن ذلك، ولم يرد أن من كان فقيرا مهاجريا، له زوجة ومسكن، أنه لا يستحق من الفيء شيئا؛ لأنَّ صاحب العيال الفقير أشد فاقة وبلاء؟ ولأنه خلاف ما وقع لهم، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطيهم بحسب فاقتهم وحاجتهم، ويفضل في العطاء من له عيال على من ليس كذلك، وكذلك فعل الخليفتان بعده، على ما هو المعلوم من حالهما، وإن حمل قول عبد الله على ظاهره لزم عليه: أن من كان له زوجة ومسكن لا غير ذلك، لم يُعدّ من الفقراء المهاجرين الذين وصفهم الله تعالى، والذين يسبقون إلى الجنة، فيلزم ألا يكون أبو بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي من الفقراء من السابقين إلى الجنة، وذلك باطل قطعا.


(١) رواه البخاري (٦١١٤)، ومسلم (٢٦٠٩).
(٢) رواه أحمد (٢/ ٢٦٠)، والبخاري (٤٥٣٩)، ومسلم (١٠٣٩) (١٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>