للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وتارة عند الصراط، وتارة عند الحوض، كما قد أخبر عن ذلك فيما صح عنه، وهذا قول باطل صدر عمن هو بما ذكرناه وبالنقل جاهل، فكأنه لم يسمع ما تقدَّم في كتاب الإيمان من قوله صلى الله عليه وسلم: أنا أول من يقرع باب الجنة، فيقول الخازن: من أنت؟ فأقول: أنا محمد. فيقول الخازن: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك (١). وفي حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: أنا أول من يدخل الجنة، ومعي فقراء المهاجرين (٢). وعلى هذا فيدخل الجنة، ويتسلم ما أعد له فيها، ويبوئ الفقراء منازلهم، ثم يرجع إلى أرض القيامة ليخلص أمته بمقتضى ما جعل الله في قلبه من الحنو على أمته والشفقة عليهم، والرأفة بهم، فيلازمهم في أوقات شدائدهم، ويسعى بمكنه في نجاتهم، فيحضرهم عند وزن أعمالهم، ويسقيهم عند ظمئهم، ويدعو لهم بالسلامة عند جوازهم، ويشفع لمن دخل النار منهم، وهو مع ذلك كله في أعلى نعيم الجنة الذي هو غاية القرب من الحق، والجاه الذي لم ينله أحد غيره من الخلق، ولذة النظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه الحكيم بألطف خطاب وأكرم تكليم، كيف لا، وهو يسمع: يا محمد قل يسمع لك، سل تعط، اشفع تشفع، فيقول: أمتي! أمتي! أمتي، فيقال: انطلق فأدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن (٣). وهذه خطوة لا تتسع لها العبارات، ولا تحيط بها الإشارات، حشرنا الله في زمرته، ولا خيبنا من شفاعته.

قال القاضي أبو الفضل: ويحتمل أن هؤلاء السابقين إلى الجنة يتنعمون في أفنيتها وظلالها، ويتلذذون بما هم فيه إلى أن يدخل محمد صلى الله عليه وسلم بعد تمام شفاعته، ثم يدخلونها معه على قدر منازلهم وسبقهم، والله تعالى أعلم.


(١) رواه مسلم (١٩٦) (٣٣١).
(٢) رواه الترمذي (٣٦٢٠).
(٣) رواه أحمد (١/ ٥ و ٢/ ٤٣٦)، والبخاري (٦٥٦٥)، ومسلم (١٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>