و(قوله: إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم، عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب) نظر: بمعنى أبصر، والمقت: أشد البغض، وأراد بالعجم هنا: كل من لا يتكلم بكلام العرب، ويعني بذلك قبل بعث النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أن كلا الفريقين كان يعبد غير الله، أو يشرك معه غيره، فكان الكل ضلالا عن الحق، خارجين عن مقتضى العقول والشرائع، فأبغضهم الله لذلك أشد البغض، لكن لم يعاجلهم بالانتقام منهم حتى أعذر إليهم بأن أرسل إليهم رسولا، وأنزل عليهم كتابا قطعا لمعاذيرهم، وإظهارا للحجة عليهم. وإنما استثنى البقايا من أهل الكتاب؛ لأنَّهم كانوا متمسكين بالحق الذي جاءهم به نبيهم، ويعني بذلك - والله أعلم - من كان في ذلك الزمان متمسِّكًا بدين المسيح؛ لأنَّ من كفر من اليهود بالمسيح لم يبق على دين موسى، ولا متمسِّكًا بما في التوراة، ولا دخل في دين عيسى، فلم يبق أحد من اليهود متمسِّكًا بدين حق إلا من آمن بالمسيح واتبع الحق الذي كان عليه، وأما من لم يؤمن به، فلا تنفعه يهوديته ولا تمسكه بها؛ لأنَّه قد ترك أصلا عظيما مِمَّا فيها، وهو العهد الذي أخذ عليهم في الإيمان بعيسى - عليه السلام - وكذلك نقول: كل نصراني بلغه أمر نبينا وشرعنا، فلم يؤمن به، لم تنفعه نصرانيته؛ لأنَّه قد ترك ما أخذ عليه من العهد في شرعه. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة؛ يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت، إلا كان من أصحاب النار (١).
و(قوله: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك) أي: لأمتحنك بتبليغ الرسالة، والصبر على معاناة أهل الجاهلية، وأمتحن بك؛ أي: من آمن بك واتبعك أثبته،