للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَنزَلتُ عَلَيكَ كِتَابًا لَا يَغسِلُهُ المَاءُ، تَقرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقظَانَ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَن أُحَرِّقَ قُرَيشًا،

ــ

ومن كذبك وخالفك انتقمت منه وعاقبته.

و(قوله: وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء) أي: يسرت تلاوته وحفظه، فخف على الألسنة، ووعته القلوب، فلو غسلت المصاحف لما انغسل من الصدور، ولما ذهب من الوجود، ويشهد لذلك قوله تعالى: {إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وقوله: {وَلَقَد يَسَّرنَا القُرآنَ لِلذِّكرِ فَهَل مِن مُدَّكِرٍ}

وفي الإسرائيليات: أن موسى - عليه السلام - قال: يا رب إني أجد أمة تكون أناجيلها في صدورها فاجعلهم أمتي، قال: تلك أمة محمد.

و(قوله: تقرؤه نائما ويقظان) يحتمل أن يريد بذلك: أنه يوحى إليه القرآن في اليقظة والمنام، وقد تقدَّم أن رؤيا الأنبياء وحي. ويحتمل أن يكون معنى نائم هنا: مضطجعا، يعني في صلاة المريض، قالهما القاضي، وفيهما بعد، وأشبه منهما - إن شاء الله - أن الله يسره على لسان نبيه، وذكره، بحيث كان يقرؤه نائما كما كان يقرؤه منتبها. لا يخل منه بحرف، لا سيما وقد كان صلى الله عليه وسلم تنام عيناه ولا ينام قلبه (١). وقد شاهدنا المديمين على تكرار القرآن يقرؤون منه الكثير وهم نيام، وذلك قبل استحكام غلبة النوم عليهم.

و(قوله: إن الله أمرني أن أحرق قريشا) أي: أغيظهم بما أسمعهم من الحق الذي يخالف أهواءهم، وأؤلم قلوبهم بعيب آلهتهم، وتسفيه أحلام آبائهم، وقتالهم، ومغالبتهم حتى كأني أحرق قلوبهم بالنار. ولا يصح أن يحمل ذلك على حقيقته؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصح عنه أنه حرق أحدا من قريش بالنار، بل قد نهى عن التعذيب بالنار، وقال: لا يعذب بالنار إلا الله (٢).


(١) رواه الحاكم (٢/ ٤٣١).
(٢) رواه البخاري (٣٠١٦)، وأبو داود (٢٦٧٤)، والترمذي (١٥٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>