للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَقُلتُ: رَبِّ إِذن يَثلَغُوا رَأسِي فَيَدَعُوهُ خُبزَةً،

ــ

و(قوله: فقلت إذن يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة) الرواية الصحيحة المشهورة بالثاء المثلثة والعين المعجمة، ومعناه: يشدخوا. قاله الهروي، وقال شمر: الثلغ: فضخك الشيء الرطب باليابس، وقد رواه العذري: فقلعوا - بالقاف والعين المهملة - ولا يصح مع قوله: فيدعوه خبزة ومعنى هذا أنه شبه الرأس إذا شدخ بالخبزة إذا شدخت لتثرد.

قلت: وهذا الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلم من نحو ما قاله موسى - عليه السلام - حين أمر بتبليغ الرسالة إلى فرعون فـ: {قَالَ رَبِّ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ * وَيَضِيقُ صَدرِي وَلا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرسِل إِلَى هَارُونَ * وَلَهُم عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقتُلُونِ} فهذا صريح في أنهما خافا غير الله، وحينئذ يعارضه قوله تعالى في صفة الرسل {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخشَونَهُ وَلا يَخشَونَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ} وهذا نص في أن الرسل لا تخشى إلا الله، وهذا هو المناسب لمعرفتهم بالله، وأنه ليس في الوجود فاعل، ولا خالق إلا هو، وخصوصا لأولي العزم من الرسل، وخصوصا لمحمد وموسى - صلى الله عليهما - ويرتفع التعارض من وجهين:

أحدهما: أن ذلك الخوف كان منهما في بدايتهم قبل تمكنهم وإعلامهم بحميد عواقب أحوالهم، وقبل تأمينهم، فلما مكنوا وأمنوا لم يخشوا إلا الله، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في أول أمره يحرس وهو في منزله، فلما أنزل الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} أخرج رأسه إليهم فقال: اذهبوا فقد عصمني ربي (١).

وثانيهما: على تسليم أن يكون ذلك منهم في غير بدايتهم، لكن ذلك الخوف هو الذي لا ينفك البشر عن فجأته ووقوع بادرته، حتى إذا راجع الإنسان عقله، وتدبر أمره اضمحل ذلك الخوف أي اضمحلال، وحصل له من


(١) رواه الترمذي (٣٠٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>