للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فيها وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العزة فيها قدمه، فينزوي

ــ

حتى يضع رب العزة فيها قدمه. وفي اللفظ الآخر: حتى يضع الله رجله ولم يذكر لا فيها ولا عليها، وقد ضل بظاهر هذا اللفظ من أذهب الله عقله، وأعدم فهمه، وهم المجسمة المشبهة، فاعتقدوا: أن لله تعالى رجلا من لحم وعصب تشبه رجلنا، كما اعتقدوا في الله تعالى أنه جسم يشبه أجسامنا ذو وجه وعينين، وجنب ويد ورجل وهكذا. . . وهذا ارتكاب جهالة خالفوا بها العقول وأدلة الشرع المنقول، وما كان سلف هذه الأمة عليه من التنزيه عن المماثلة والتشبيه، وكيف يستقر هذا المذهب الفاسد في قلب من له أدنى فكرة، ومن العقل أقل مسكة، فإنَّ الأجسام من حيث هي كذلك متساوية في الأحكام العقلية، وما ثبت للشيء ثبت لمثله، وقد ثبت لهذه الأجسام الحدوث، فيلزم عليه أن يكون الله تعالى حادثا، وهو محال باتفاق العقلاء والشرائع. ثم انظر غفلتهم وجهلهم بكلام الله تعالى وبمعانيه، فكأنهم لم يسمعوا قوله تعالى: {لَيسَ كَمِثلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} ويلزم على قولهم أن يكون كل واحد منا مثلا له تعالى من جهة الجسمية والحيوانية، والجوارح، وغير ذلك من الأعضاء والأعصاب واللحم والجلود والشعور، وغير هذا، وكل ذلك جهالات وضلالات، ولله سر في إبعاد بعض العباد {وَمَن يُضلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن هَادٍ} وقد تأول علماؤنا ذلك الحديث تأويلات (١). وأشبه ما فيها تأويلان:

أحدهما: أن النار تتغيظ وتتهيج؛ حنقا على الكفار والمتكبرين والعصاة، كما قال تعالى: {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيظِ} وكما قال: {يَومَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امتَلأتِ وَتَقُولُ هَل مِن مَزِيدٍ} وكما قال في هذا الحديث: لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد؟ ، وكما قال: تخرج عنق من النار فتقول:


(١) الأولى بنا أن نقولَ في هذا المقام ما يقولُه علماء السلف: نثبتُ لله تعالى ما أثبتَ لنفسه، من غير تعطيل ولا تأويل ولا تجسيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>