للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَأَثنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ له أَهل، ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ: إِنِّي لَأُنذِرُكُمُوهُ، مَا مِن نَبِيٍّ إِلَّا وَقَد أَنذَرَهُ قَومَهُ، لَقَد أَنذَرَهُ نُوحٌ قَومَهُ، وَلَكِن أَقُولُ لَكُم فِيهِ قَولًا لَم يَقُلهُ نَبِيٌّ لِقَومِهِ، إنَّهُ أَعوَرُ وَإنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيسَ بِأَعوَرَ.

ــ

أنه يتكلم في نومه بما يكون غالبا عليه في يقظته، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظر أن يظهر له منه في حال نومه ما يدل على حاله دلالة خاصة به، والله تعالى أعلم.

و(قوله: إني لأنذركم الدجال، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه، لقد أنذره نوح قومه) إنما كان هذا من الأنبياء لما علموا من عظيم فتنته، وشدة محنته، على ما يأتي تفصيلها في الأحاديث المذكورة بعد، ولأنهم لما لم يُعيّن لواحد منهم زمان خروجه، توقع كل واحد منهم خروجه في زمان أمته، فبالغ في التحذير. وفائدة هذا الإنذار الإيمان بوجوده والعزم على معاداته ومخالفته، وإظهار تكذيبه وصدق الالتجاء إلى الله تعالى في التعوذ من فتنته. وهذا مذهب أهل السنة، وعامة أهل الفقه والحديث، خلافا لمن أنكر أمره وأبطله من الخوارج وبعض المعتزلة، وخلافا للجبائي من المعتزلة، ومن وافقنا على إثباته من الجهمية وغيرهم، لكن زعموا أن ما عنده مخارق وحيل، قال: لأنها لو كانت أمورا صحيحة لكان ذلك إلباسا للكاذب بالصادق، وحينئذ لا يكون فرق بين النبي والمتنبئ، وهذا هذيان لا يلتفت إليه؛ فإنَّ هذا إنما كان يلزم لو أن الدجال يدعي النبوة، وليس كذلك؛ فإنه إنما ادعى الإلهية، وكذبه في هذه الدعوى واضح للعقول؛ إذ أدلة حدثه ونقصه وفقره مدرك بأول الفطرة، بحيث لا يجهله من له أدنى فكرة، وقد زاد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى إيضاحا في هذا الحديث من ثلاثة أوجه:

أحدها: بقوله: ولكن أقول لكم فيه قولا لم يقله نبي لأمته، إنه أعور، وإن الله ليس بأعور وهذا تنبيه للعقول القاصرة أو الغافلة على أن من كان ناقصا في ذاته، عاجزا عن إزالة نقصه، لم يصلح لأن يكون إلها لعجزه وضعفه، ومن كان عاجزا عن إزالة نقصه كان أعجز عن نفع غيره، وعن مضرته.

<<  <  ج: ص:  >  >>