فنفى الله ذلك بقوله: {وَلَيسَ البِرُّ بِأَن تَأتُوا البُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا} ثم بين ما يكون فيه البر بقوله: {وَلَكِنَّ البِرَّ مَنِ اتَّقَى} أي: بر من اتقى الله، وعمل بما أمره الله به من طاعته. ويستفاد منها: أن الطاعات والقُرب إنما يتوصل إليها بالتوقيف الشرعي، والتعريف، لا بالعقل والتخريف. فالبيوت على هذا محمولة على حقائقها، وقد قال بعض العلماء: إن المراد بها إتيان الأمور من وجوهها، وهو بعيد، وأبعد من قول من قال: إن المراد بها إتيان النساء في فروجهن، لا في أدبارهن، والصحيح الأول. وأما القولان الآخران فيؤخذان من موضع آخر، لا من الآية.
و(قوله: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلا وُسعَهَا} التكليف هو الأمر بما يشق عليه (١)، وتكلفت الشيء: تجشمته. حكاه الجوهري، والوسع: الطاقة والجدة. وهذا خبر من الله تعالى أنه لا يأمرنا إلا بما نطيقه ويمكننا إيقاعه عادة، وهو الذي لم يقع في الشريعة غيره، ويدلّ على ذلك تصفحها، وقد حكي الإجماع على ذلك. وإنما الخلاف في جواز التكليف بما لا يمكننا إيقاعه عقلا، كالجمع بين الضدين، أو عادة، كالطيران في الهواء، والمشي على الماء، فمن مجوز، ومن مانع، وقد بينا ذلك في الأصول، واستيفاء الكلام عليها في علم الكلام.
تنبيه: الله تعالى بلطفه بنا وإنعامه علينا، وإن كان قد كلفنا بما يشق علينا،